اعلان التأسيسي بنيروبي وجغلبة سلطة بورسودان(1-3):

بقلم ✍️🏽 حب الدين حسين اسحق ( ارسطو)

 

 

ظلت النخبة الحاكمة في الخرطوم سابقا وحاليا من بورسودان يحكمون السودانيين بشرعية العنف والغلبة لأكثر من سبعين عام ويصرون على الهيمنة الثقافية والاستعلاء والعرقي والاستئثار بالسلطة ويرفضون الدعوات المتكررة لإعادة هيكلة الدولة السودانية على أسس جديدة يتساوي فيها الجميع، أصحاب الامتيازات التاريخية يرفضون كل الحلول السلمية العادلة تحت حيل ومبررات عدة تارتا بحماية الثوابت الوطنية التي وضعت إعلان التأسيسي بنيروبي جهود واضحة لتفكيكها وإعادة تأسيسها من جديد وتارتا أخرى بحماية السيادة الوطنية من الغزو الخارجي، لذا فالجغلبة من إعلان نيروبي نابع الخوف من هدم مزاعم ثوابت المدعاة بإسم ثوابت الوطنية للدولة السودانية، بالاحرى خوف الفطام من ثدي السلطة التي تدفق عبرها خيرات وثروات وفيرة حرمت منها الغالبية الساحقة،فالثوابت الوطنية المدعاة من قبل جماعات الحاكمة التي يرفضون إعادة النظر وتأسيسها من جديد تتمثل فى الآتي:

 

أ- الهوية الأحادية الإقصائية:

يجزم الجلابة ان هوية الدولة السودانية هي هوية عربية إسلامية وحاولت الجماعات المستفيدة من الدولة القديمة وما تزال تحاول أن تختزل هوية البلاد في العروبة والإسلام، وحتى الإسلام تريد أن تختزله في التفسير العروبي.

إن العروبة وفق حقائق الواقع المعاصر، هي جزء لا يتجزأ من السودان جاءت نتيجة تحولات تاريخية عدة (كما أن الإسلام بشتى أنماطه هو جزء لا يتجزأ من السودان، ولكن ليس أياً منهما هو كل السودان.

كما أن ربط الإسلام بالعروبة هو خطأ يتم تبريره لأغراض سياسية؛ فليس هناك أي سبب يدعو الإنسان للإعتقاد بأن إسلامه لا يتم إلا بأن يصبح عربيا أو يتبنى الثقافة العربية أو اللغة العربية؛ فالغالبية الساحقة من المسلمين في هذا العالم، في ماليزيا وإيران وتركيا ونيجيريا والبوسنة والهرسك، وأماكن أخرى كثيرة، هم ليسوا عربا ولا يتبنون الثقافة العربية أو الأنساب العربية أو اللغة العربية دون أن ينقص ذلك من تمام إسلامهم شيء.

إن ما يحدث في السودان هو عملية استغلال للدين لفرض هوية عرقية على المواطنين) وإن السودان بلد متعدد ومتنوع وفيها أكثر من 500 قبيلة (اثنية،شعب) و150 لغة متميزة وعشرات الأديان الدعوية وغير الدعوية، الأرضية والسماوية إلا أن الحاكمين يرفضون كل هذا التنوع الديني العرقي والثقافي بفرية أن السودانين هم شعب عربي كريم؛ وان وحدتها الوطنية تطلب حفاظ على عروبة واسلمة البلد عبر آلية بوتقة الانصهار ومنع ظهور اي وجه أفريقي او سودانوية بزعم التنوع نقمة قد تندس وجه العربي الحسن التي تمت دعاية والتسويق بها في مركز العرب الثقافي وقبول عروبة السودانيين في درجة الثالثة في سلم ترتيب العربي الإسلامي من قبل أصحاب الجلد والرأس.

 

ب- الحكم المركزي:

قام الاستعمار الحديث في عام 1821 تأسيس الدولة المركزية الحديثة،وجمع شعوب السودان المختلفة ثقافيا والمتفاوتة تاريخيآ في داخل الشكل المركزي للدولة السودانية وعاقت مسارات تطورها الطبيعية و الثقافية والسلطوية مما أدى إلى تكوين بنية مشوهة غير متكافئة اقصت غالبية العظمي من شعوب السودانية ومكنت البعض على حساب الآخرين مما أدى تكوين نواة الدولة المركزية الجديدة(المركزية الإسلاموعروبية)

تأسست الحكم المركزي للمركزية الإسلاموعروبية في السودان من خلال علاقة التعاون بين قاعدة المركز (الطرف الداخلي) والغزاة( الطرف الخارجي) وتتكون قاعدة المركز من مجموعة الجلابة وزعماء الطوائف الدينية وزعماء القبائل مجموعات التي تشكل حقل الثقافة العربية الإسلامية في وسط وشمال السودان وقد لعبت الجلابة دورآ محوريا في تشكيل الحكم المركزي والباسها ثوب الإسلاموعروبية من خلال قيامها بدور الكمبوردار اي وسيط بين المستعمر الخارجي وضحايها مما تم مكافأة لهم من المستمعمر بتدريبهم وإعدادهم بطريقة مباشرة أو غير مباشر وتسليمهم السلطة نيابة عن المستعمر.

وحقق الجلابة من خلال هذا الحكم المركزي مكاسب إجتماعية مربوطة بوجاهة والسيادة الإجتماعية لجماعة الاثنية الأحادية، ومكاسب سياسية مرتبطة بالاستئثار بالحكم من مجموعات محددة تمثل الأقليةالمسيطرة، ونفي الآخرين وتعامل بفقه ميثولوجية الارزاق وطرق غير العادلة في توزيع عائدات الإنتاج بناءآ لانتماء الثقافي، بالإضافة إلى مكاسب اقتصادية مرتبطة اتباع نمط اقتصاد الريع العشائري اي توزيع العبودي للانتاج (جدلية السادة والعبيد) أي عبيد مهامهم الإنتاج وأعمال الشاقة التي تعتمد على البنية الجسمانية لصالح رفاهية السادة والوجاهة؛

لذا يرفض الجلابة او أصحاب الامتيازات التاريخية اي خطاوي او مساعي تؤدي إلى جعل السلطة غير مركزية ومتكافئة بين جميع المواطنين، ويتم إدانة كافة الحلول المقترحة المقدمة من حركات المقاومة الوطنية منذ 1947 والحركات التحررية من 1983 حتى هذا اليوم.

فالحكم المركزي فهي غير مرتبطة بالمكان فقط وإنما هي بنية كلية تتداخل فيها عوامل عدة وحتى أن تحولت السلطة لبورسودان او في كاودقلي ستظل الهيمنة مستمرة. فالحكم المركزي هي بنية تمت تصميمها ورعايتها كي تحافظ الامتيازات القديمة لجماعة المستفيدة منها ولن تتغير توجهاتها ما لم تفكك بنيتها كليا وإعادة هيكلتها جذريآ بإرادة الحرة من المواطنين، وأصوات شيبه ضرار واهل الشرق وغالبية العظمي من السودانيين حتى بعد نزوح العاصمة من الخرطوم إلى بورسودان وصراخهم بظلم المركز بشكل يومي غير دليل أن بنية الدولة الاستعمارية ما زالت قائمة وتستئثار بكل مقدرات الدولة وامكانيتها لصالح الجماعات المسيطرة !

لذلك ترفض الجماعات المسيطرة إعادة النظر في الحكم المركزي التي دعت لها إعلان نيروبي عمليا أي الحكم اللامركزي وفيدرالية كاملة من حيث الإدارة والمال والقانون والأمن ….إلخ.

 

ج-الوحدة القسرية(حدود قهر الاستعماري):

قام الاستعمار التركي المصري في 1821 الغزو على ممالك وسلطانات ومشايخات وغيرها من أشكال التطور الاجتماعي السوداني في تنوعها التاريخي وجمعت مجموعات مختلفة ثقافيا ومتفاوتة تاريخيآ بقوة القهر والقمع والاستبداد داخل حقل كلي وأحد ووضعت حدود السودان بشكلها الحالي وقبل خروجه قام بالانتقاء وإعداد مجموعة معينة وورثته السلطة والثروة وحكم البلاد سميت مجموعة الجلابة. ومجموعة الجلابة ليست مجرد أفراد وإنما مجموعة اجتماعية وثقافية متشابكة المصالح .

 

منذ ذلك الوقت حاولت وتحاول هذه الجماعات التمسك بالوحدة القسرية التي وضعها المستعمر وترفض أي حلول سياسية تطالب بإعادة النظر فيه بل تعتبره من الثوابت الذي يحرم النقاش حوله وتقوم أركان هذه الوحدة القسرية الجديدة على الهوية الأحادية الإقصائية وتمارس القهر العرقي والثقافي والديني والمذهبي والجهوي والتهميش بكافة أشكاله والتنمية الغير المتوازنة. فالنخبة الحاكمة وسلطة بورسودان يعلمون أن هذه الوحدة صنعها المستعمر ولكن رغم ذلك يدافعون عنها لأنها تحقق لهم مكاسب مادية ومعنوية على حساب الآخرين، لذا يرفضون الإرادة الحرة للوحدة الوطنية التي يجب أن تكون الوحدة في التنوع وليست وحدة العروبة والإسلام القائمة على الهيمنة الثقافية وإبادة ثقافات الآخرين.

نواصل.

 

N̰âgû Sasaborno N̰âgû Jammba

الإثنين،10- مارس- 2025م

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.