اتفاق جوبا : سلام عادل مستدام ام مطالب نخبوية (١)

 

 

( أحلم باليوم الذي يأتي فيه طفلاً ويسأل أمه : ” ماذا كانت الحرب؟ ) ايفي مريم (شاعرة امريكية )

# لاشك أن مشكلة السلام والحرب منذ خمسينات القرن الماضي ظلت تشكل هاجسا مؤرقا لجميع السودانيين/ت وتهم كل سوداني وطني غيور علي مستقبل الوطن والتحول الديمقراطي السليم المنشود . وظلت إشكالية عصّية علي الحل لدي كل النخب من الجيل الاول التي وضعت يدها علي السلطة (مدنية ليبرالية /عسكرية استبدادية ) لأسباب كثيرة ليست موضوعنا الأساسي هنا و أهمها غياب مشروع وطني قومي اهم عناوينه المواطنة الحقة المتساوية في الحقوق والواجبات التي تجعل التنوع الاثني والثقافي والديني (نعمة ) بدلا من ( نقمة ) . من حالة الانقسام الي (حالة الاندماج الوطني الكامل ) حافزا لكل مواطن يشعر بأنه ينتمي إلي (وطن واحد ) يفتخر به دوما ، يتسق مع هويته وتطلعاته إلي مستقبل للوطن اهم ملامحه ‘ الاستقرار والسلام الاجتماعي والعيش الكريم ‘ بدلا من الغبن و الكراهية والعنصرية والاختلاف المتوارث . كما أن المشاريع المبكرة الممكنة : أن تكون ( انطلاق بقعة ضوء) للسلام والاستقرار والوحدة الطوعية العادلة التي طرحت علي شكل مطالب مشروعة وممكنة للدولة (المركزية) والتي تم ازدراءها وتحقيرها و ايداعها في الإدراج وأحيانا تمزيقها ورميها في سلة (الزبالة ) وأحيانا الانقلاب عليها ( مطالبة الفيدرالية الاولي للجنوب ١٩٥٥/ مؤتمر المائدة المستديرة١٩٦٥ / اتفاق اديس أبابا ١٩٧٢ /إعلان كوكادام ١٩٨٦/اتفاقية السلام الشامل ٢٠٠٥م ) نيفاشا..الخ ). ومن المدهش في ميدان السياسة السودانية أن الاتفاقية الوحيدة التي صمدت ما يقارب ١٠ أعوام تمت في ظل نظام عسكري ديكتاتوري (نميري) ومن صنعها ركلها بنفسه وقال عنها (ليست إنجيل منزل من السماء ) انتهي .

-لذا فإن الجماهير السودانية في هامشه ومركزه و التي توحدت في الشوارع التي فجرت ثورة ديسمبر ٢٠١٨م كانت تعي تماما (كلفة الحرب المثقلة ) وتأثيرها الجسيم في تعطيل بناء الدولة السودانية سياسيا واقتصاديا علي أسس سليمة ولذلك تمسكت وأكدت علي شعار وحيد كتبته في كل (حيطان الوطن) بالخط العريض (حرية .سلام .وعدالة ) لتكون بوصلتها الي سودان جديد ديمقراطي عادل لكل الناس .

– وعندما هرولت ( سطت ) النخب السياسية المجربة لدي الجماهير (مسحراتية الانتفاضات قديما وحديثا ) بوضع يدها علي ثورتها في الساعة( ٢٥ ) من الثورة بصنع تحالف (قحت ) ودون مشاورة الجماهير مفجرة الثورة ووضعتها امام الامر الواقع واقتسمت السلطة مع (العسكر السدنة ) بوثيقة معيبة ( الوثيقة الدستورية ) غير منصفة للتضحيات والدم والدموع في انتفاضات متعددة متراكمة بل ذهبت لأكثر من ذلك بعدم التزامها اخلاقيا والهرولة مباشرة نحو المناصب السلطوية بمفهوم حزبي ضيق . نعم الجماهير مررت كل ذلك وهي تراقب المشهد التراجيدي ولكنها لم تنحني وتنكسر لان هدفها اسقاط نظام المؤتمر الوطني الفاشي ، بل ظلت بصبرها منذ بدء الفترة الانتقالية تنظم مسيرات متواصلة لتنبيه المدنيين في السلطة لتصحيح مسار الثورة عبر رسائلها ، وآخرين ثوار علي الارض يرون أنه لابد من ثورة اخري بعد الفشل الذريع لكل المكونين المدني والعسكري معا مطالبة بوضع شعارات الثورة جميعها في موضع التنفيذ الفعلي . ولكن النخب في السلطة ما زالت تغمض أعينها.

– من المؤكد أن كل مجهود يبذل في إيقاف صوت البندقية في الوطن وصولا إلي سلام حقيقي وعادل ومستدام مقدر و يساهم في وضع الوطن في طريق التحول الديمقراطي ويعني حياة جديدة خاصة للمدنيين العزل الذين ظلوا يدفعون أثمانا غالية لتلك الحروب العبثية التي تصدر لهم من المركز دوما في كل الحقب الماضية . فكانت جل احلامهم ليست الحصول علي الخبز والكهرباء والماء النظيف بل (البقاء أحياء ) في تلك المناطق الهامشية التي ظلت تعاني من التهميش النوعي والتهميش (الهوياتي ) . لهذا فإن أي عملية سلام باي حال من الأحوال لم تبدأ أفقيا بمشاركة كل السودانيين و برضا وقناعة شعبية تصبح سلام مزيف ومسكنات مؤقته ( والمجرب لا يجرب مرة اخري) فسلام يكتفي بمطالب وامتيازات نخبوية حتي لو كانت من الهامش مقابل تسوية وإعطاء شيكات مجانية من كانوا هم سدنة للنظام ، وأحيانا يده الباطشة للمدنيين العزل .سلام لا يخاطب جذور المشكلة علي الارض التي أدت إلي تلك الحروب العبثية في داخل الوطن الواحد ولا يحل قضايا وهواجس المواطنين في الاستقرار والسلام و العدالة، وجبر الضرر وتنفيذ العدالة التاريخية ، وتعويض المتضررين في حرق قراهم وارجاع حقوقهم في اراضيهم وفقدان أبنائهم في تلك الحروب المفروضة عليهم وتأمين مستقبلهم والعودة الطوعية إلي أراضيهم فهذا يعني تسوية مصالح مع النخب التي تتفاوض باسمهم وما هو الا مجرد تقسيم غنائم لبعض نخب الهامش التي توقع نيابة عن هذه الجماهير علي الورق ولا يحدث تغيير علي الارض وبالطبع فهي ليست مفوضة منهم وبالتالي غير ملزمة بقبوله . العبرة ليست في توقيع البرتكولات ال 8 علي الورق بشكل احتفالي ولكن العبرة في إسكات صوت البندقية نهائيا وصولا إلي سلام عادل مستدام ولذا سنناقش بكل موضوعية في المقال القادم لماذا تم تقسيم المفاوضات الي( 5) مسارات وهل كانت ضرورية أم هي عملية سياسية للتجزئة من أجل إرضاء تطلعات نخب جديدة!! وماهي المعضلات التي تم التوقيع عليها في هذه الاتفاقيات علي الورق واشكالياتها في التنفيذ علي ارض الواقع وغيرها من الأسئلة.. (نتابع )

عبدالعزيز ابوعاقلة  سبتمبر ٢٠٢٠

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.