إقليم دارفور وضوح القضية وغموض الحلول !
عبدالسلام نورين
أولا وقبل الخوض في تراجيديا الصراع، أود أن أضبط بعض المصطلحات التي نستخدمها بشكل مستمر، حتى لا يسيء فهم الحديث أو يفهم القول في غير مقصده. الصراع الذي يدور في غرب السودان أي منطقة دارفور بولاياته الخمس – هو صراع ليس بجديد ولا يمكن فهمه بعيدا عن طبيعة الصراع في كلياته، المتعلقة بتركيبة الدولة في السودان، وتوجهاتها منذ رحلة التأسيس في شكله المابعد الكلونيالي القائم على نفي الزنوج وتغيبهم من أي دور مهم في السودان. المنطقة تسكنها قوميات زنجية تتحدث لغات إفريقية كلغة أم وكذلك قبائل غير زنجية تتحدث اللغة العربية كلغة أم، والأخيرة ببساطة هي خليط من الزنج والعرب، عبر عمليات المصاهرة، إنصهار، الإختطاف، الإستيعاب، وهم أغلبهم أقرب للزنج من حيث الخصائص الفيزيائية وأقرب للعرب من حيث الثقافة والوعي – أي يسيطر عليهم العقلية البدوية القائمة على العنف وعدم إحترام القانون.
وصف البعض للصراع في دارفور بأنه صراع بين العرب والزرقة وصف غير دقيق، لأن أغلبهم أما جلهم سود أو نوبا بالألف من حيث اللون وزنوج من حيث الشكل المرفولوجي. أما فيما يتعلق بالنزاع حول الأرض وأدوات الإنتاج سواء كانت حرفة الزراعة أو الري، فهو عامل ثانوي وليس عامل أساسي. أذا رجعنا لولاية شرق دارفور مثلا أو جنوب دارفور في المناطق التى يغلب فيها القبائل العربية وهي بطبيعة الحال أراضي زراعية وفي ذات الوقت عدد الماشية الموجودة فيها يفوق عدة مرات العدد الموجود في الولايات التي يغلب على سكانها قومية المساليت، الفور، الزغاوة أو التنجر ..الخ. وبالتالي التركيز على أن الأساس في الصراع هو صراع يتعلق بالحرفة فقط كما نشاهده في وسائل الإعلام أو تصريحات بعض القادة السياسين، هو وصف غير دقيق ومجافي للحقيقة.
السودان المابعد الكلونيالي تعمد عدم تبني مشروع وطني، بل تبنى مشروع مجافي للحقائق التاريخية وحقائق الواقع الماثل أمامنا وإستطاع أن يوازن ما بين مصالح الغرب النيوكونيالي ومصالح الجامعة العربية (Pan-Arabism) ؛ وعمد للسيطرة على الأرض والموارد الباطنية وتوظيفها لصالح النخبة الحاكمة في الخرطوم، وإتخذت عدة إستراتيجيات لتنفيذ هذا المشروع :
أولا : السيطرة الغير مباشرة بتهجير السكان الأصليين وقطع صلتهم بالأرض الذي بدوره يؤدي إلى قتل اللغة والثقافة والتغيير الديموغرافي، عبر الإبادة الجماعية المباشرة بالقتل أو الغير مباشرة بالجوع والمرض أو أعادة تدويرهم، حتى لا يضايقوهم في السلطة الحقيقية ويكونوا هامش للمركزية العربية في أفريقيا أو هامش هامش للمركزية العربية في غرب آسيا وفي آخر المطاف يدافعوا عن المصالح العربية في أفريقيا ويساهموا في تحقيق الأهداف الكلونيالية ونهب موارد الشعوب، كما نجده في حالة تدخل مصر تاريخيا والإمارات في السنتين الماضيين .
ثانيا : السيطرة المباشرة على الموارد الطبيعية من الذهب واليورانيوم والمواد الأخرى، و إن أستمرار السكان الأصليين في مناطقهم وزيادة الوعي عندهم يعقد من مهمة نهب هذه الموارد ولذلك القبائل العربية هي أصبحت الاداة المناسبة لتنفيذ هذا المشروع.
درج الكثير من الساسة والمحللين في إستخدام مصلح إستغلال الحكومة المركزية للقبائل العربية في الصراع الذي إندلع في دارفور في 2003، يعتبر غير صحيح، ويفتقد للمصداقية، لأن الذين خططوا لهذا المشروع هم من النخب السياسية والعسكرية وفكرة الاستغلال غير سليم ، بل هنالك إرادة ومصلحة مشتركة دفع بعض أبناء القبائل العربية في المشاركة في حرب الإبادة الجماعية بحق القوميات الزنجية في دارفور، إضافة إلى ذلك نخب القبائل العربية الذين يؤمنون بالقيم الإنسانية والعيش المشترك بين الزنوج والعرب لم يقوموا بأي أدوار جريئة في التصدي لجرائم أهلهم على مدار العقدين الأخيرين لأسباب غير واضحة حتى هذه اللحظة.
المدخل الصحيح لمعالجة الأزمة يكمن في الإعتراف بالحرب، ودوافعها وإستبعاد عامل الاستغلال والبحث الجاد عن إيجاد صيغة مشتركة تقوم على الإعتراف بحقوق القوميات الزنجية والعربية على أراضيهم وفقا للوضع القائم ما قبل 2003 وتطبيق نظام فيدرالي يمكن القوميات من حكم مناطقهم، ابتداء من القرية والمحلية وصولا إلى الدولة.
ما يجري الآن في غرب دارفور المعروفة تاريخيا بدارمساليت، هو حرب من أجل قطع الطريق في العودة إلى الأرض، وتم التركيز في أهم نقطة هو العمل على قطع علاقة الزنجي بأرضة، وهي علاقة مقدسة من بداية التاريخ وظلت متواصلة لاكثر من عشرة الف سنة، أي منذ ظهور الزراعة في وادي النيل بشكله المنتظم … وفي حالة قطعت هذه العلاقة المقدسة، يظل النازحين واللاجئين مكدسين في المدن ويسيطر السكان الجدد على الأرض واستغلال الموارد، كما نشهده الآن في جبل عامر ومناطق أخرى من السودان، والتطورات الجديدة بزيادة وتيرة الصراع في غرب دارفور، تتعلق بسعي الحكومة المركزية لاستغلال الذهب في جبال انجاتا وجبل مون ومناطق أخرى، وهي في الحقيقة موارد مشتركة بين السكان الأصليين والدولة ولكن في ظل غياب السكان وانعدام الأمن، يتم إستغلال هذه الموارد في إتجاه لا تخدم السكان المحليين، بل يهرب عبر شركات المافيا السياسية إلى الخارج. خلال الفترة ما بين ديسمبر 2018 وديسمبر 2021 قامت المليشيات العربية، بعشرات الجرائم على النازحين وسكان المدن في الجنينة وكريندنق ومستري وهبيلا وكرينك وجبل مون ومورني وتندلتي وفي شمال دارفور في كولقي وفي جنوب دارفور في قريضة ومرشنج ..الخ وفي كل مرة تتدخل قوات الدعم السريع لمساندة القبائل العربية، وهذا يرجع لطبيعة هذه المليشا وهي مليشيا عرقية عابرة للحدود أي تضم بعض عرب دارفور وبعض العرب من تشاد ومالي والنيجر. هذا التكوين العرقي يجعل منها قوات غير محايدة، وبالتالي في حالة نشوب أي نزاع بين أفراد أو جماعات في منطقة ما تتدخل منحازة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بإسم الدولة لصالح القبائل العربية، وهذه الإنحياز له دافعين، الأول هو الوقوف مع الحاضنة الاجتماعية ، من الأسرة، العشيرة والقبيلة ونصرتها أو من أجل الكسب المادي المترسخ في بنية الثقافة العربية والمعروفة بالغنائم، وهذا واضح من خلال الإصرار على السرقة والنهب، سواء كان سرقة البيوت أو نهب الأسواق أو المطالبة بديات تتجاوز عن ما هو متعارف عليه في الدين الإسلامي أو العرف المحلي. وجود مليشا الدعم السريع بشكله الشاذ هو المحدد الاول لحياة السكان في منطقة دارفور، وهذا يجعل الجميع في حالة بحث دائم عن طرق ناجعة للتعامل من شرور المليشيات العربية ومليشيا الدعم السريع بما فيها خيار عدم التعاون بأشكاله المختلفة.
8 ديسمبر 2021
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.