إعلان اديس ابابا واتفاق السلام: فرص ودلالات
بقلم: عثمان نواى
من اهم ما حدث بعد إعلان اديس ابابا قبل ايام هو ردات الفعل على مستوى واسع من مسألة العلاقة بين الدين والدولة وطرح العلمانية فكل ما كان يتم الترويج لها سابقاً على أنها قضايا جدلية وتخلق التباين بين السودانيين، تبين انها محل ترحيب من فئات أوسع مما يعتقد او يتمنى البعض . فمن المراقبة لكثير من ردود الأفعال على السوشيال ميديا وردود الأفعال الرسمية وكثير من كتابات صناع الرأى العام والسياسين من مشارب متنوعة بالإضافة الى الفئة الأهم وهى الشباب، فإن ردود الفعل كانت فى دفاع عن الإعلان اكثرمن المتوقع بل ربما يتجاوز الهجوم. وفى هذا الحقيقة دلالات هامة لها علاقة مباشرة بنوع التغييرات الجذرية التى حدثت على مستوى وعى الشعب السودانى وخاصة الفئات الشابة التى تجاوزت الأفكار المتحجرة لكثير من القوى السياسية التى كانت تروج من قبل لفكرة ان للشعب السوداني المتدين لن يقبل بفصل الدين عن السياسة.
والدلالة الأكبر لمستويات الاستجابة المعاكسة للتوقعات هذه، انما تدل على ابتعاد الأحزاب والكيانات السياسية من قراءة نبض المجتمع السودانى المتسارع التغيرات. فلقد وجدت كثير من تلك الأحزاب نفسها مضطرة للهرولة لدعم الاتفاق ومسح مواقفها المتعنتة سابقا ، حيث أثبت الواقع ان رفض أطروحات فصل الدين عن السياسة لم تكن نتيجة لعدم قبول الشعب السوداني بها، بل لان تلك الكيانات السياسية كانت غارقة فى عمليات تنافس سياسي مرتبطة فقط بالرغبة فى احتكار أولوية صنع التغيرات الكبرى دون العمل لصنع تلك التغيرات فعليا وبمشاركة متساوية مع الآخرين.
عمليا الان فإنه أمام الحركة الشعبية فرصة تاريخية ان استطاعت استغلالها جيدا للانتقال لمركزية صناعة الأحداث وليس الاستجابة لها من هامش الفعل السياسي. فمع توسع مساحات القبول لاطروحات فصل الدين عن الدولة وبناء دولة المواطنة، وهو ما يتماشي كما يبدو مع طموحات الجيل الجديد، فإن هناك فرصة مهمة لطرح مشروع وطنى متكامل يتجاوز المنطقتين ويؤسس لدولة وطنية ديمقراطية حديثة. وفى ظل الفراغ السياسي الناجم الان مما تبين من ضعف فى بنية تحالف قوى الحرية والتغيير ،وما آل اليه تجمع المهنيين كمنظومة ضغط مدنية، فإن إعادة تشكيل التحالفات القائمة بما يضمن مشاركة كل السودانيين وباسس متفق عليها فى صناعة قطيعة كاملة مع تاريخ طويل من غياب مشروع وطنى متفق عليه، يمكن ان تكون الفرصة الأكبر لولادة او إعادة تأهيل وتشكيل الحاضنة السياسية للفترة الانتقالية التى يمكن ان تستند عليها عملية الانتقال الديمقراطي ككل وبالتالى بناء السلام المستدام.
حيث ان العام الماضي قد مثل تجربة كافية للأجيال الجديدة التى لم تعاصر او حتى تعرف عن تجارب الحكم لمعظم الاحزاب السياسية السودانية الموجودة الان ، وكان العام الماضي كافيا لإيجاد تقييم سريع من جيل يقرر أصعب قراراته فى ثوانى ويتخذ القرارات المصيرية عبر نقرة على التلفون. ولذلك فإن قوى الحرية والتغيير تعلم انها تعمل تحت ضغوط تقييمات سلبية لادائها، وقد اتى اتفاق اديس إضافة الى اتفاق السلام كقارب نجاة فى اللحظة الأخيرة. وربما تمت الاتفاقات نفسها بسبب الوضع المتردى الراهن مما اضطر قحت لتقديم التنازلات التى كان عليها تقديمها قبل وقت طويل. الان قحت تبحث عن شريك فى المسؤولية ولكنها أيضا تعلم ان هناك تغيرات تفوق قدرة قيادتها العجوزوالضعيفة الإبداع على الاستجابة لها.
لذلك أمام كل حركات الكفاح المسلح التى وقعت على اتفاقيات سلام وخاصة الحركة الشعبية ما بعد إعلان أديس أبابا، مساحات عمل سياسي واسعة ان أجادت استخدامها، وإن تمكنت هى أيضا من إعادة انتاج نفسها بما يتوافق مع نبض الجيل الجديد ومتطلبات التغيير الجذرى الذى يجب ان تقدم فيه المثال الذى يحتذى به الآخرون. ولكن ان تمتىرست فى قوالبها القديمة فانها ستخسر فرصة كبيرة فى إعادة تركيب المشهد السياسي السودانى ومستقبل الاجيال القادمة. فبقدر حجم الأزمات تبدو الفرص الكبرى ماثلة . فالجيل الذى يصمد الان أمام تحدى بعد الاخر إنما يؤكد انه يستحق افضل مما هو مطروح له الآن، ومن سيقدم مشروع ورؤية أوضح وافضل لمستقبل البلاد سيكون القادر على كسب قلوب وقدرات آلاف الشباب المتطلع لبناء وطن بحجم أحلامه وتضحياته.