إحتجاج الطلاب الجنوبيين علي زراعة شجر النخيل وجدل الهوية ||

جاتيقو اموجا دلمان

 

كتب أحد وكلاء جامعة جوبا ، في أحد قروبات الواتساب، هذه الإفادة من باب الطرفة والدعابة وأعتبرها مجرد (مكاجرة) ، متجاهل كعادة النخب النيلية المخزي والدلالة من الإحتجاج (جدل الهوية)، الذي مازال حاضرا حتي بعد إستقلال جنوب السودان – وليس إنفصاله.

نص إفادة الوكيل العربي كانت علي النحو الآتي:

(( تحضرني طرفة حدثت بالفعل أيام جامعة جوبا وفي بداية تشييد مباني الجامعة بالكدرو.

قررنا أن نزرع أشجار نخيل مثمر على طول طريق المدخل الرئيسي الشمالي الحالي ال (main road ). وفعلا شتلنا شجرات النخيل طول متر ونصف ومترين على جانبي الشارع.

الذين كانوا في جامعة جوبا تلك الفترة يذكرون ذلك.

كان عميد الطلاب في تلك الفترة السيد فريزر طونق من أبناء الدينكا. جاءني في أحد الأيام بشكوى من رابطة الطلاب الجنوبيين كان إختصار إسمها ( JUSSA).. Juba University Southern Students Association.

فحوي الشكوى أن الطلاب الجنوبيين يحتجون على زراعة شجر النخيل داخل الجامعة وعلى الشارع الرئيسي لأنها شجرة إسلامية.

قرأت الشكوى وضحكت وضحك معي السيد عميد الطلاب.

قلت طيب ما رائيك يا السيد العميد، طبعا دخل وخرج، وخرج ودخل في الكلام ما أداني عقادا نافع.

قلت طيب ليه قالوا الشجرة من دون الشجر إسلامية، قال والله ما عارف. قلت إحتمال عشان المسلمين بفطروا بيه في رمضان. في ظل هذه الحيرة من كيفية الرد على هؤلاء الطلاب ردا مقنعا ربنا ألهمني وقلت ليه.

يا السيد العميد وأنت سيد العارفين نفس التمر البنفطر بيه في رمضان إنتو بتشربوا منو أحسن عرقي وبسكركم مظبوط. طبعآ لأنو هو من الناس الهواة البحبو الموضوع دا ضحك حتى ظهرت نواجزه وقرب يقع على قفاه.

وقلت ليه عندما أرادت السيدة مريم العزراء رضى الله عنها أن تلد سيدنا عيسى عليه السلام هزت النخلة فتساقط لها رطبا جنيا فأكلت منه وساعدها ذلك على الطلق وولدت سيدنا عيسى عليه السلام.

أمشي قول للطلاب الوكيل قال نحن اخترنا هذه الشجرة لأنها مباركة للمسيحيين قبل المسلمين.

وضحكنا وقال لي والله يا وكيل إنت اي حاجة عندك ليها منتق (منطق).

ذهب السيد عميد الطلاب ولم يأتني مرة أخرى برد من الطلاب على تعليقي.

وظلت هذه الشكوى في درجي لفترة طويلة إلى أن حفظتها في ملف عمادة الطلاب وقتها.

شوف الشعب دا مكاجر كيف))..

الي هنا أنتهت إفادة وكيل الجامعة. وطبعا طرفة الوكيل مليئة بالعنصرية والنرجسية والتعالي ولكننا نركز فقط في نقطة واحدة هي إحتجاج رابطة الطلاب الجنوبيين بجامعة جوبا (JUSSA) لزراعة أشجار النخيل ببوابة الجامعة باعتبارها ذات دلالة إسلامية ، ورغم إستخفاف الوكيل المستعرب بالشكوى ، الا أنها شكوى منطقية ، وتندرج ضمن حوارات ( جدل الهوية) باعتبار أن الاسطورة الدينية أساسها ثقافي وان شجرة النخيل تشكل بعد ثقافي محوري لدي العرب وهي الشجرة الوحيدة المثمرة التي قاومت بيئة الجزيرة العربية لذلك هي رمز فخرهم وعزتهم ، لدرجة أن الرسول بخلفيته الصحراوية البدوية لم يجد شئ يشبه به المسلم سوي شجرة النخيل ، ورد في الصحيحين أن الرسول شبه المسلم بشجرة النخيل للأسباب الآتية (كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها وورقها وأغصانها فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالا وأواني وغير ذلك، ثم آخر شيء منها نواها وينتفع به علفا للإبل، ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها فهي منافع كلها وخير وجمال) ده طبعا بنسبة للعرب.

الانسان طبعا أبن بيئته ، والعرب كمجتمع رعوي لا يصدق شئ سوي ما تراه أعينهم لذا تم تأسيس الاسطورة الدينية بناءاً علي واقع الجزيرة العربية.

وحتي العرقي المصنوع من البلح كمنتوج ثقافي هو صنيع عربي ، وبعد تحويله الي منتج تجاري وصلنا كنتاج طبيعي لسريان اتفاقية البقط المشؤمة ، لذلك حجة وكيل الجامعة مردودة عليه، اذا كان يري أن عميد الطلاب (الذي ينتمي إلي جنوب السودان) من المستفيدين من بقاء شجرة النخيل (أم الخندريس) .

وايضا كون ان ثمار النخيل( التمر) قد ساعدت السيدة العذراء علي تحمل الطلق ، وبالرغم من أنه كلام غير علمي ، حيث لم نشاهد ان طبيبا مختصا في مجال النساء والتوليد صرف (١٠) تمرات لامرأة تعاني من انخفاض في ضغط الجنين ، وحتي إذا اعتمدنا هذه الرواية فالقصة بأكملها أسطورة دينية مرجعها القرآن الذي كتبت معظم نصوصه استناداً علي بيئة الجزيرة العربية والتي تشكل شجرة النخيل بعد ثقافي وسيكولوجي ،قبل أن تحولها الاسطورة الدينية الى شجرة مقدسة .

إحتجاج رابطة الطلاب الجنوبيين ، لم يأتي من فراغ ، فشجرة النخيل لها دلالة إسلامية معروفة وهي بجانب السيف تمثل شعار الأمة الإسلامية، وتقريبا جامعة الدول العربية اعتمدت شجرة النخيل كواحدة من ملامح الدولة العربية ، لذلك قامت الدول العربية ومن بينها السودان بزرعتها في العواصم .

واتذكر تم إستيراد (تربة عربية) من السعودية عندما رفضت تربة الخرطوم شجرة النخيل ، وصرف نظام البشير من الخزينة العام ، بناءاً علي فتوي المهندس الصافي جعفر عندما كان بمشروع سندس الزراعي ملايين الدولارات بداية من العام ٢٠٠٠م لزراعة مليون شجرة نخيل حتي تكون الخرطوم مؤهلة لاستضافة مهرجان (الخرطوم …عاصمة للثقافة العربية ٢٠٠٥م )، وأشجار النخيل واحدة من شروط المهرجان بالإضافة الى ( اطلاء المؤسسات والمتاجر باللون الاخضر )، وأظن أن الأشجار التي أعترض علي زراعتها الطلبة الجنوبيين كانت الغرض منها هو التأكيد علي عروبة الخرطوم، لذلك نقول برافو رابطة الطلاب الجنوبيين بجامعة بجوبا ، الذين عبروا عن رفضهم فرض هوية ثقافية إحادية على الدولة ، وما قامت به الرابطة جزء من نضالاتها ضد دولة الابارتاهيد ، ولولا احتجاج رابطة الطلاب الجنوبيين لتم تشويه ضاحية الكدرو الجميلة المخضرة بزراعة أشجار غير مستساغة لتلك البيئة.

 

٢١ اغسطس ٢٠٢٤م.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.