إتفاق حمدوك – الحلو لماذا الان؟
بقلم.عثمان نواي
ربما السؤال الأهم حول ما جرى بالأمس هو لماذا الان؟ الم يكن ممكنا ان يتم هذا التوقيع منذ أشهر مضت.؟ ولماذا التعنت كل هذه الفترة.
الواضح للعيان ان حكومة حمدوك الان تتعرض لهجوم كثيف من اتجاهات مختلفة وليس فقط من الشارع او المكون العسكرى ولكن حتى من داخل قوى الحرية والتغيير. ولذلك فإن حمدوك كما يبدو يحتاج الى سند من قوة سياسية لها وزنها العسكرى والجماهيرى والدولى. ومن المعروف ان الحركة الشعبية لتحرير السودان هى الحركة الأكثر قوة من ناحية عسكرية ومن ناحية السيطرة على اراضي واسعة داخل الدولة السودانية إضافة الى حجم الاعتراف الدولى بها. عمليا لن يكون لاى عملية سلام اى وزن دولى حقيقي دون توقيع الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة الحلو.
على المستوى الداخلى فان اللاعبين القدامى من اعمدة السياسة السودانية سواء الجيش او الأحزاب الطائفية او التجار او الأفندية جميعهم فى حالة من الارتباك والاحساس بالضعف والفشل وعدم القدرة على حمل عبء عملية الانتقال. كذلك اللاعبين الجدد من أمثال حميدتى ومنظمات المجتمع المدنى ولجان المقاومة ،هم فى مراحل تطور مبكرة لم تمكنهم من التقدم منفردين او صناعة تحالفات ذات ثقل ضارب، ولكنهم يظلون أوزان حقيقية فى اللعبة الان . لذلك يقف حمدوك ومن خلفه من مستشارين وقادة المرحلة الانتقالية فى وجه تحديات متزايدة ليس فقط فى وجه الأزمة الاقتصادية والأمنية ،ولكن التحدى الأكبر هو إيجاد ميزان القوى الذى يصنع مقدار من التكافؤ ويعطى الحكومة الانتقالية قوة حماية ودعم فى مواجهة التحديات من العسكر والدعم السريع ومؤامرات الطائفية وصراعات الأفندية والانتهازيين وفلول الكيزان.
ما تم بالأمس هو انجاز تاريخي ولكنه أيضا جزء من عملية حسم كفة صراعات كثيرة تدور حاليا فى داخل العملية الانتقالية. خطوة حمدوك فيها شجاعة وتعبير عن حوجة الرجل لسند قوى فى القريب العاجل محليا ودوليا والا سيكون هناك انهيار شامل للدولة السودانية، على الاقل اقتصاديا وسياسيا. هذا الاتفاق هو إحدى الأوراق الاخيرة لدى حمدوك لتقوية حكومته سياسيا والحصول على دعم دولى إضافة لمسالة التطبيع.
ولكن تحُف الاتفاق أيضا مشكلات التعطيل التى ستحدث فى الترتيبات الامنية وتلك ورقة فى يد الجيش ،فإما ان يتم الضغظ عليه دوليا بشكل كافى ليقوم بالتنازلات اللازمة لعملية سلام مكتملة تسمح لجيش الحركة الشعبية بالاندماج السلس عبر شروط تحفظ حق الحركة فى الوجود سياسيا وعسكريا ، أو يصر الجيش على تعنته ويجد بعض الدعم الإقليمى ونصل الى طريق مسدود مرة أخرى. ولكن كما يبدو ان الجيش السودانى وأيضا القوى الطائفية الداعمة له تاريخيا خاصة الحزب الاتحادى وطائفة الختمية التى تسيطر عمليا على معظم مناطق انتماء قادة الجيش فى الشمالية ونهر النيل، يبدو أنها تميل الى صناعة مساومة تاريخية تنهى الحرب فى السودان بشكل نهائى. خاصة وأن تحالفات القوى السياسية التاريخية خسرت تماما جميع معاقلها وادوات حشدها السياسي والايدلوجى مع سقوط الكيزان المريع الامر الذي اقتلع اخر جذور الحشد السياسي على اساس الدين في السودان. وهذا الاتفاق اليوم هو المسمار الاخير فى مشروع الدولة الدينية فى السودان. وعلى الطائفية الان ان تعيد انتاج نفسها سياسيا وفكريا وتنظيميا وان تتماشى مع متطلبات دولة المواطنة المتساوية المتطورة فى طرحها السياسي . وهذا هو العمل الفكرى والتنظيمى المؤجل من قبل الأحزاب الطائفية فى السودان منذ الاستقلال. وربما هذا التعديل هو ما يحاول ان يقوم به الاتحاديون بذكاء عبر الحركة الاتحادية التى تسيطر الان على نسب مقدرة من السلطة الانتقالية ، بينما فشل حزب الأمة فى إعادة تسويق او انتاج نفسه، وهو الان يسقط مع الكيزان حلفاؤه القدامى الى مزابل التاريخ ببطء مؤلم. من تاريخ اليوم يمكن البدء فى حساب بداية الفترة الانتقالية ومقبل الايام سيقود اما الى العبور او الانهيار الاخير.