إتفاق أديس وإرادة الشعوب السودانية
متوكل عثمان سلامات
27/10/2020م
من المتوقع ان تبدأ في الساعات القادمة الورشة غير الرسمية بين الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال والحكومة السودانية إنفاذاً للبيان المشترك الموقع بين الطرفين في أديس بتاريخ 4/ سبتمبر/2020م، وقد جاء هذا البيان بعد الإتفاق الشجاع الذي تم توقيعه بأديس أبابا أيضاً بتاريخ الخميس الموافق 3/ سبتمبر/ 2020م مع حكومة الفترة الإنتقالية لجمهورية السودان ممثلة في رئيس مجلس الوزراء د. عبدالله حمدوك والقائد/ عبدالعزيز آدم الحلو رئيس الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال، وقد جاء هذا الإتفاق لكسر الجمود الذي صاحب العملية التفاوضية فيما يتعلق بإعلان المبادئ، وتحقيقاً لرغبة الشعوب السودانية في التوصل لسلام عادل وشامل.
يعتبر إعلان المبادئ هو المرتكز والموجه الضروري لأي عملية تفاوضية تهدف بصدق إلى تحقيق سلام عادل وشامل من خلال البحت في جذور المشكلة السودانية وحلحلتها، وهذا ما يفسر تمسك الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بالإتفاق الذي تم بينها مع الحكومة الإنتقالية بتاريخ 18/10/2019م حول ملفات التفاوض وضرورة التوصل لإعلان مبادئ كخارطة طريق تحكم العملية التفاوضية.
إتفق الطرفان في جلساتهم المباشرة على كل الفقرات المقترحة من الطرفين عدا الفقرات الخاصة بعلمانية الدولة وممارسة الشعوب السودانية لحق تقرير المصير وتأكيده لشعبي إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان والفونج في حالة عدم النص على علمانية الدولة والمقدم من جانب الحركة الشعبية، وصياغات الدولة المدنية أو الدولة غير المنحازة المقدمة من جانب الحكومة، وإستمر المنبر شبه مجمداً يتخلله بعض التصريحات غير الصادقة بأن وفد الحركة غير متواجد في جوبا رغم أن الوفد متواجد بمقر إستضافته، وإستمرت المواقف على ماهي عليه حتى جمدت الوساطة التفاوض في هذا المسار.
جاء إتفاق أديس بعد حراك سياسي كبير قادته الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال مع كافة التنظيمات السياسية السودانية بغية كسر الجمود في النقاط الخلافية وتوصلت إلى تفاهمات وإعلانات سياسية مع جل التنظيمات السياسية والمهنية والمطلبية القائدة لثورة ديسمبر والمؤثرة على العملية السياسية في الدولة السودانية متمثلة في الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل، والحزب القومي السوداني، وحزب التحالف الوطني السوداني، وتجمع المهنيين السودانيين، وتجمع الأجسام المطلبية، وتجمع القوى المدنية، والتحالف النسائي السوداني، والحزب الشيوعي السوداني، فوافق بعضهم على علمانية الدولة وحق ممارسة تقرير المصير، ووافق الجميع على فصل الدين عن الدولة.
وإستجابة لرغبة الشعوب السودانية وتأكيداً لنواياها الصادقة تجاه تحقيق السلام العادل والشامل وإتساقاً مع مخاوف حكومة الفترة الإنتقالية التى ترى أن كلمة “العلمانية” تسبب “الحساسية” للبعض نتيجة لتشويهها من قبل النظام البائد، تنازلت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال عن النص على العلمانية وأتت بصيغة بديلة وهي عبارة “فصل الدين عن الدولة” وهي الصيغة التي جاء بها الإتفاق المشترك بين رئيس وزراء جمهورية السودان الدكتور/ عبدالله حمدوك ورئيس الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال القائد/ عبدالعزيز آدم الحلو بتاريخ 3/9/2020م بأديس أبابا.
رغم ما وقعه رئيس وزراء الحكومة الإنتقالية مع الحركة إلا أن الحكومة مازالت تتردد ولم تقبل بالإتفاق مستخدمة ذات المتاريس والموانع التي تضعها الحكومات السودانية المتعاقبة أمام الحلول كل ما لاح في الأفق بوادر حل للأزمة السودانية المتجذرة مستخدمة ذات الأدوات الأمنية وما أكثرها إنتهاءً بخور الورل والشرق وقريضة بدارفور، وسياسياً من خلال تأجيل الحلول بمبررات مزيد من التشاور، لابد من ورش، تشكيل لجان وهمية، ربط الحلول بمؤسسات غير موجودة، السعي للبحث عن الحل في الخارج بالرغم من أن المشكلة شخصتها الشعوب السودانية ووضعت الحل بين أيديهم. أتدرون لماذا؟ لأن المركزية الإسلاموعروبية مازالت قابضة، ومازال عقلية السيد والعبد تتمدد من خلال السيد العربي المسلم الحر الذي يريد أن يبقى على إمتيازاته التاريخية ويقيد الشعوب السودانية في التواصل دبلوماسياً وإنسانياً مع جميع شعوب العالم بدون تمييز، ويمارس عنصريته ضد الجميع ويفترض الزكاء في نفسه لأنه (السيد) والغباء في غيره لأنه (عبد) بحيث يرفض أي ضمانات لضحايا الدولة الإسلامية وضحايا الفكر الإسلاموعروبي للتأكد من فصل الدين عن الدولة في ظل إستمرار نقض الإتفاقيات والنكوص عن العهود المتكررة من قبل الحكومات السودانية، وحتى تلغى ولاتعود الفتاوي الإسلامية بإعلان الجهاد ومواصلة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعبودية بغية الوصول لدولة سودانية موحدة تسع الجميع.
وللأسف هذه العقلية الإستعلائية العنصرية للـ(سيد) الزكي مازالت تفترض أن الشعوب السودانية ناقصة الأهلية بالتالي يستوجب ممارسة الوصايا عليه، وهي ذات العقلية التي تفترض الغباء في الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال ومن وقع معها على الإتفاق، فطالما أنه بزكاء الأسياد تمكن من جعلها تتنازل عن (العلمانية) إلى فصل الدين عن الدولة، فما الذي يمنعه من مواصلة زكاؤه لحمل هؤلاء الأغبياء السوزج للتنازل أوتغيير صياغة ما تم التوصل عليه في الإتفاق المشترك بأديس أبابا إلى صيغة أخرى تحتمل التناقض والتعارض والتأويل مثل (فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة) أو(فصل الدين عن السياسة) وغيرها من الصياغات “المهببة” و”الرقراقة” التي ستقود بلاشك إلى الإختلاف وبالتالي تسرب الدولة الدينية مرة أخرى وتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه.
يشكل هذا الإتفاق إختراق كبير في إتجاه معالجة جذور الأزمة السودانية وكسر الجمود التفاوضي وتحقيقاً لتطلعات وآمال الشعوب السودانية، ويتضح ذلك من خلال ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية، فقد وجد هذا الإتفاق المشترك دعماً قوياً من السكرتير العام للأمم المتحدة، وسكرتير الولايات المتحدة الأمريكية، ووزير خارجية دولة النرويج، ومن الحكومة البريطانية، والإتحاد الإفريقي.
وعبرت القوى السياسية السودانية ومنظمات المجتمع المدني والشعوب السودانية في شتى مدن السودان معلنة تأييدها لهذا الإتفاق من خلال تصريحات وبيانات ومواكب التأييد والدعم، ويوضح هذا التأييد الكبير بجلاء أن الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال تمثل إرادة الشعوب السودانية، كما يوضح موقفها الدبلوماسي القوي وتأثيرها على المستوى الدولي والإقليمي.
جاء دعم الجماهير السودانية لهذا الإتفاق المشترك لوعيها بأنه يمكن أن يعالج النقاط الخلافية بين الطرفين. كما أنه يمثل أساس جيد لمعالجة قضايا وحدة الدولة السودانية، والتهميش والتنمية غير المتوازنة والعبودية والرق والأراضي وغيره، كما أن الشعوب السودانية تعي جيداً أن هذا الإتفاق يمكن أن يعالج أزمة العقل السوداني معرفياً بحيث يجعله يخرج بتفكيره من صندوق الفكر والإنتاج المعرفي الإسلاموعروبي العنصري الضيق طيلة الـ(65) سنة، إلى رحاب الفكر والإنتاج المعرفي الإنساني وفق المعايير العلمية المجردة والقادرة على إحداث إنتاج معرفي حقيقي نابع من التنوع والتعدد الذي يشكل السودانوية القادرة على الإسهام في الإنتاج المعرفي الإنساني على المستوى الإقليمي والدولي.
سؤال غبي … هل ستكون الورشة غير الرسمية بين وفدي الطرفين آلية جيدة لإدراج إتفاق أديس في مسودة إعلان المبادئ؟، أم أنها ستكون ترس من تروس المركزية الإسلاموعروبية العنصرية لقطع الطريق أمام إتفاق أديس أبابا وتطلعات الشعوب السودانية الحالمة بالعيش في سلام وإستقرار دائم؟