اتفاقية سلام المسارات بين المحاصصة وطموح السلام “الحلقة الثانية “

إتفاقية سلام المسارات بين المحاصصة وطموح السلام .

نضال الطيب حامد .

{ الحلقة الثانية }

رؤية المسارات وعقبة المشكلات في جولات التفاوض .

 

تحدث الناطق الرسمي بإسم وفد الحكومة الإنتقالية المفاوض، الأستاذ محمد حسن التعايشي عضو مجلس السيادة الإنتقالي.. قال : إن مسيرة التفاوض تمضي وفق منهج جديد حيث أنه لأول مرة يتم الإتفاق على منبر وأحد لقضايا السودان تنتهي لإتفاق وأحد ببروتكولات متعددة، ستغير أجندة الخطاب السياسي، ويحفز على عملية البناء نظراً لتوفر الإرادة القوية من كل أطراف التفاوض.

الناظر إلى تصريحات التعايشي، يجد فيها دلالة واضحة على الأمل والتفاؤل على تحقيق السلام، لافتاً إلى أن الحكومة الإنتقالية والجبهة الثورية، يتطلعون إلى سلام نهائي يحدث تحولاً في المعادلة السياسية بين المركز والأقاليم . وأن أطراف التفاوض يتحملون المسئولية الكبيرة، بعد أن أعادة الثورة السلطة للشعب الذي يجري التفاوض من أجله . إنتهى حديث التعايشي.. لكن يظل السؤال الجوهري : هل فعلاً تعرض التفاوض بينهم إلى مخاطبة جزور المشكلة الحقيقية في السودان، أم هو خطاب تسويف الملفات الحقيقية من أجل المحاصصة وكسب المناصب.

إذا استعرضنا مشكلة كل مسار وإقليم على حدي، مثلاً المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق، قبل الخوض في تفاصيل المشكلة لهذه المناطق، وتحديدها وتحديد الرؤية لمناقشتها، تظل المشكلة الأساسية في الجهة المخول لها الحديث والتفاوض بإسم المنطقتين.. وهل لهذه الجهة وجود عسكري وجماهيري ومناطق محررة خارجة عن يد السلطة الحكومية في الخرطوم، حتى تمتلك التفويض الشعبي والرسمي حتى تتفاوض من منطلق أرضية قوية، تستطيع من خلالها إستعراض المشكلة الحقيقية لهذه المناطق.. أم تختزل الحكومة الإنتقالية التفاوض مع حركة اسفيرية (أون لاين) لا وجود لها على الأرض، ولا تمتلك القدرة على إيقاف الحرب أو تنفيذ الإتفاقية على أرض الواقع.

تعتقد الحكومة الإنتقالية، أن مجموعة مالك عقار وياسر عرمان تسيطر على منطقة النيل الأزرق على حسب زعمهم وبالتالي، دخل الطرفان في التفاوض بمنبر جوبا لمناقشة قضايا كل منطقة في هذا المسار، واستبقت هذه المجموعة، بتوقيع إتفاق مع الحكومة الإنتقالية لإيصال المساعدات الإنسانية للمتأثرين بالحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. حيث دفعت هذه المجموعة برؤيتها للتفاوض وسلمت الوساطة الجنوبية مسودة الإتفاق الإطاري للسلام بالمنطقتين، واشتملت رؤيتهم على خيار الحكم الذاتي للمنطقتين، وأهمية إنهاء الحرب على أساس العدالة وعدم التمييز في المواطنة (أي المواطنة بلا تمييز التي يهزي بها عرمان) وبناء دولة جديدة.
ولم تكتفي هذه المجموعة بذلك حيث أنها دعت إلى أهمية التنسيق المشترك مع الحركة الشعبيــة لتحرير السودان /شمال بقيادة القائد عبد العزيز آدم الحلو.. الحقيقية التي تمتلك الأرض والجمهور والمناطق المحررة في يدها وتحت سيطرتها.. مؤكدة تلك المجموعة بقيادة عرمان استعدادها التام للجلوس في أي مكان حال موافقة الطرف الآخر… كما قطع عرمان من خلال تصريحاته أنهم مع خيار ترك مسألة الدين والدولة وقضية العلمانية للمؤتمر الدستوري… المؤتمر الدستوري الذي يتحدثون عنه بدون أن يعرف أحد ماهي الرؤية المحددة لقيامه أو الأجندة الوطنية له أو الأشخاص الذين يستعرضون هذه الأجندة ، كيف يتم التوافق عليهم.
ويتحدث عرمان عن عدم تأييدهم للدعوة بحق تقرير المصير لكل الشعوب المهمشة، مبرراً ذلك بأن المنطقتين لا يجمع بينهما حدود مشتركة، بجانب أن نسيجهم الإجتماعي خليط يجمع كافة سكان السودان.. ومن جانب آخر تحدث مالك عقار ووصف تمسك القائد عبدالعزيز آدم الحلو بعلمانية الدولة بأنه يطيل أمد الحرب… لم يتحدث مالك عقار عن فلسفة فكرية بشأن العلمانية وإطار مضمونها في مشروع السودان الجديد، وإنما سعي لانتقادات عبدالعزيز الحلو، فالرجل معزور من الناحية الفكرية ، لأن كل الرؤى التي يتحدث عنها عرمان سواءً عن الميلاد الثاني وتجديد الرؤية جميعها من أمهات أفكاره بعيداً عن رؤية السودان الجديد للدكتور جون قرن، ناهيك عن مالك عقار فالرجل معزور من ناحية طرح القضايا بشكل علمي وفكري .

الناظر إلى رؤية وطرح مجموعة مالك عقار وعرمان في المفاوضات، نجد أنها لا تعدوا كونها نكاية في طرح الحركة الشعبيــة بقيادة الحلو الشيء الذي شجع وفد الحكومة المفاوض على استخطابهم، في اجندته بنوع من أنواع الذكاء في فنون التفاوض، وهذا تكتيك قديم ومعروف في علوم المفاوضات والحوار، بل عمل على مساعدتهم من الناحية الفنية والعينية، فأرسلت لهم الحكومة الإنتقالية، مجموعة من جنود الدعم السريع بحجة المساعدات وغافلة إنسانية، فلم تجد غير مالك عقار والبعض من الجنود العجزة كبار السن بمنطقة نائية على الحدود الجنوبية.
وبهذا فقد توصلت مجموعة عقار وعرمان على تسوية سياسية بعيدة كل البعد عن مطلوبات المنطقتين ، وتم التوقيع على كل ماتود الحكومة الإنتقالية الوصول إليه.

نتوقف هنا… ونواصل الحديث في الحلقة الثالثة عن بقية مشكلات المسارات.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.