أي وحدةٍ نروم؟
عبد الله عبد الرحمن
كلما أدلهم ليل الصراع واقترب فجر الفرز الثوري، يطل علينا من لديهم مصلحة في تغبيش الوعي واستمرار التحكم الاقتصادي والسياسي النخبوي بفريةٍ توحيد (قوى الثورة). و ذلك دون أن يتفضل علينا السادة الداعون بتحديد من هم/ ما هي قوى الثورة؟ أو دون تعريفٍ محدد؛ أيُّ ثورة يقصدون!.
حسناً، فلنبدأ بتعريف الثورة، أي التغيير الثوري كما نفهمه ونريده، إذا كان تعريف الثورة أو التغيير الثوري هو التغيير الذي يهدم القديم ويبني على أنقاضه نظاماً نقيضاً لما قامت الثورة ضده، يحق لنا أن نتساءل، هل يقصد الداعون للوحدة مثل هذا التغيير!. أم يتحدثون ويروِّجون لنصفُ ثورةٍ تغير الأشخاصَ وتُبقي على السياسات التي ثارت ضدها الجماهير؟ هل تعتبر هذه القوى أن المحافظة على شكل ومحتوى السلطة القديم من الثورة في شيء؟ هل يمكننا تعريف و تصنيف القوى التي شاركت و تشارك اللجنة الأمنية لنظام المخلوع وتعتبر العسكر والمليشيات سبباً لنجاح الثورة؛ قوى ثورية؟ مع ملاحظة أن نفس هذه القوى ما زالت تعمل، ليلاً و نهاراً، لإعادة تشكيل شراكاتٍ جديدة مع القوى و الرموز التي شاركت النظام القديم. فهل يمكن أن تكون هذه قوى ثورية أو تعمل لتغيير ثوري بأي شكل؟.
إن إعادة ضبط المصطلحات مثل “الثورة” و “قوى الثورة” مطلوباتٌ أساسية لأي حديث عن توحيد أو تصنيف القوى السياسية. وهي عملية أساسية لفرز قوى الثورة الحقيقية وتحييد أعداءها أو وضعهم في مكانهم الحقيقي من الصراع.
إن تعريف الصراع نفسه والتغيير الثوري كمحتوى اجتماعي، أي تحديد القوى المستفيدة من هذا التغيير إجتماعياً. هو عملية فكرية ثورية تتطلب الوضوح النظري والثوري أيضاً. لا يمكن في هذا العصر الذي اتيحت فيه المعلومات و وسائل التنوير أن نخضع للتغبيش دون أن نتحمل ذاتياً جزءاً من هذه المسئولية، فالمسئولية الثورية تحتم على كل منا البحث والتمحيص الكافيين لكل ما يطرح. عدم الركون للدعاية المكثفة من قبل القوى التي تريد تغبيش وعينا. و ألا نكتفي للتبرير بقدرات او امكانات تلك القوى و كثافة دعايتها و قدرتها على الكذب و تلوين الحقائق.
إن تجارب ثورة ديسمبر المجيدة وحدها كافية تماماً ليعرف كل ذي بصيرة أن صراع المصالح الاجتماعية هو المحرك الفعلي لهذه الثورة، وتكفي أيضاً لكشف كل الانحيازات الواعية للقوى السياسية والاجتماعية المتصارعة فيه، فثورتنا هذه والتي ما زالت في طور فرز قواها الحية، قامت على شعارات واضحة ومطالب أساسية ومحركات مفصلية، نجمل منها: “حرية، سلام وعدالة” كشعار أساسي لهذه الثورة: لنختبر هنا، على عجلِ،ماذا فعلت بعض القوى تجاه تحقيق هذه الشعارات:
حرية! هل تعمل قوى حكمت لعامين في شراكة مع اللجنة الأمنية على تحقيق الحرية؟ وهي القوى التي اخترعت إغلاق الكباري في وجه المواكب وهي السلطة التي استشهد في عهدها ثوار خرجوا للتعبير عن رفضهم لسياساتها؟ أي حرية يحققها من جعل السلطة همه فسرّح في عهده النقابيون والثوار من عملهم لأنهم ناهضوا سياساته كما حدث في كنانة ومصانع الاسمنت وهيئة المياه وغيرها، وأي حرية تحققها قوى سياسية تحكمت في مفاصل السلطة فعينت منسوبيها وحلت لجاناً ثورية اختارها العاملون! و لتجريد الثوريين من قوتهم تآمرت تلك القوى و قامت بعمليات الفصل والسجن وحتى القتل والاغتيالات. في عهدهم صار شعار الثورة حول الحرية مجرد حبر على ورق.
في محور السلام، أوسط شعار الثورة وميزانه، عملت القوى المتآمرة لتمرير أجندتها عبر افتراع عملية سلام شائهة و نقيضة لمصالح المتضررين من الحرب وضحايا الصراعات، إن عملية سلام جوبا والتي افترعتها قوى نداء السودان وحليفتها الجبهة الثورية،بدأت كعملية تفاوض بين الحلفاء وانتهت لمسارات سُلمت للعسكر . فتحكموا في محور السلام بمعاونة جهاز أمن النظام السابق ودوائر المخابرات، كانت تلك العملية هي الوجهة الفعلية و المقصودة. بناء سلام شكلي وفق مصالح القوى التي احتضنت وشرعنت ونظمت العملية، لذلك نقول، بأن هذه القوى و من محك التجربة، لم تفشل في تحقيق شعار السلام فقط، لكنها اضافت على التآمر عليه، حملاً ثقيلاً وتشويهاً متعمداً لعملية مفصلية و جوهرية من عمليات وقضايا الانتقال.
إن من نظّر و عمل لمثل سلام جوبا، يجب النظر إليه في رأينا،كمتآمر على قضية السلام وضدها وبالتالي ضد الثورة التي رفعت شعار السلام بمحتواه الإجتماعي و الإنساني، لا يصح، أبداً، أن نركن للتبريرات الواهية و السمجة و اعتبارها كأنها مجرد أخطاء مثلاً و إحسان للنية، بل هي اختيارات واعية وعمليات سياسية مرتبة. نُفذت بوعيٍ وقصدٍ كاملَين للاستيلاء على السلطة وفق تحالفات جديدة باعادة تشكيل التوازن مع القوى التي كانت تحكم الفترة التي سبقت تصميم عملية سلام جوبا. عليه فان الصحيح ان ننظر لمصالح القوى التي صممت ونفذت تلك العملية برمتها كقوى تتعارض مصالحها مع السلام الحقيقي المطلوب والموضوع كشعار مركزي للثورة و بالتالي تتعارض مصالحها مع الثورة والتغيير الثوري، وبالتأكيد، لا يمكن ولا يصح أن تصنف مثل هذه القوى كقوى ثورية.
في قضية العدالة: لقد أثبتت تجربة ثورتنا الطويلة و العميقة أن قضية العدالة-و هي القضية المركزية للثورة- تتناقض فيها مصالح القوى التي عملت من أجل شراكة عسكر اللجنة الأمنية مع شعار ومطلوبات العدالة التي تهدف إليه ثورتنا. فالعسكر وميليشياتهم هم المسئولين عن معظم الانتهاكات في مجال العدالة و ارتكاب الجرائم الكبرى في عهد النظام الساقط لا محالة، من مجازر دارفور والنيل الازرق وجبال النوبة، مروراً بحرب الجنوب و حروب السيانيد والتجهيل في الشرق والشمال، إن القوى التي تواءمت وشاركت هؤلاء الجنرالات تتطابق مصالحهم مع الهروب من مبادئ العدالة، وتتعمق المسألة بالاشتراك الاخلاقي في تحمل جريمة الافلات من العقوبة، وتشجيع الاستمرار في ارتكاب مزيد من الجرائم أيضا، فجريمة فض اعتصام القيادة العامة التي ارتكبها عسكر اللجنة الأمنية كان ثمنها الشراكة التي اعقبتها، بمعنى أن الشراكة بالأساس خلقت عبر هذه الجريمة، فاصبح الشركاء في النتائج شركاء” في الجريمة التي انتجت الشراكة. رغم كل ما سبق، فان ما يهم المقال الآن هو ايضاح أن قوى عديدة اصبحت ضد شعار العدالة وضد مطالب الثورة الرئيسية بشعارها الأساسي.
ظلت قوى داخل الحرية والتغيير تسوِّف في ملف العدالة باستمرار. فلم تكتفي مع اللجنة التي كونتها برئاسة أ. نبيل أديب لتمييع جريمة و مجزرة اعتصام القيادة، بل عملت سياسياً على أيضاً على تشتيت الاتهامات وتحريفها عن المتهمين الرئيسيين نحو مجموعات وهمية، نتساءل هنا مجدداً، بأي حقٍّ يمكن أن يعتبر هؤلاء راغبين في احترام مبدأ العدالة و تحقيقه، الهدف الرئيسي لثورتنا؟.
كذلك، و بعد تبيان و مقايسة مواقف هذه القوى من الشعار الرئيسي للثورة من خلال محك الممارسة، نتناول الآن مواقفها من بنود إعلان الحرية والتغيير الذي وقّعت عليه وصار أو يفترض أن يكون هادياً و مرشداً للقوى الموقعة عليه و لوجهة الثورة، مع ملاحظة إدعاء بعض كوادر هذه القوى أنها من كتبت الإعلان نفسه.
لقد نص إعلان الحرية والتغيير في بنده الثاني على: “وقف التدهور الاقتصادي وتحسين حياة المواطنين في كل المجالات المعيشية”. فما الذي طبقته هذه القوى لتخفيف أعباء المعيشة عن المواطنين؟ لقد قامت هذه القوى المتحالفة داخلياً، و عبر رئيس وزرائها، بتطبيق ذات سياسات نظام الإنقاذ بضغط أكبر وبلا أي رحمة، و هي عين السياسات التي ألقت بثقلها على كاهل المواطن فخرج في ثورته مناهضاً لها و في سبيل اسقاط النظام الذي تبناها. إن تبني السياسات المقيتة المفروضة من الخارج فرضاً لم يكن إلا لإرضاء المؤسسات الدولية والرأسمال العالمي، ويجب علينا هنا، أن نعيد، أن قوى قحت الداخلية تنكرت لبرامجها التي تواثقت عليها مسبقاً لإدارة ملف الاقتصاد، و هنا، نقول بوضوح تام، أن من يتنكر لبرامجه ومواثيقه لا يؤتمن على وحدة معه.
أما البند الثالث من الإعلان فينص على: ” عمل ترتيبات أمنية نهائية مكملة لاتفاق سلام عادل وشامل”. فما الذي فعلته هذه القوى تجاه السلام؟ لا نحتاج لإعادة سرد ما ارتكبته باسم السلام وتسليم ملفه لعسكر اللجنة الأمنية.
أيضاً، نص البند الخامس على: ” إعادة بناء وتطوير المنظومة الحقوقية والعدلية، وضمان استقلال القضاء وسيادة القانون”. فما الذي فعلته القوى التي تحكمت في سير الحكومة الانتقالية في هذا الملف سوى تقديمه لقمة سائغة لعسكر اللجنة الأمنية، فعينوا فيها مواليهم وانتهازيي الغفلة ممن ينفذون الأوامر دون إبطاء، فعملوا على تعطيل ملفات العدالة، وحطموا كل فرصة لإصلاح الأجهزة العدلية والقضائية، وأبعدوا كل ثوري ينادي ويعمل من أجل إصلاححه.
البند السابع من إعلان الحرية و التغيير نص على: ” تحسين علاقات السودان الخارجية وبناءها على أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة والبعد عن المحاور مع إيلاء أهمية خاصة للعلاقة مع أشقائنا في دولة جنوب السودان”. هذا البند تحديداً يوضح التناقض الواضح بين مواقف وادعاءات هذه القوى، ويوضح أنها توقع على بنود عكس وجهتها الحقيقية، ففي الوقت الذي وقعت فيه على هذا الإعلان كانت قياداتها تسافر من عاصمة لعاصمة من عواصم المحاور لتلقي التوجيهات والعمل على التحكم في خيرات السودان.
قبل أن نختم، لا أعتقد أننا في حاجة للاستمرار في سرد مواقف تحالف هذه القوى، أو تنكرها لأهداف الثورة، لقد تنكرت حتى لأهدافها المعلنة كقوى منفردة، فأحزاب تسمي نفسها بالاشتراكية تتآمر لتنفيذ سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين. فسياسات إعادة الهيكلة وسياسات التحرير الاقتصادي تتناقض جذرياً مع وجهة وهدف الحزب المعني و برنامجه، وأحزاب أخرى تطرح سياسات مناهضة لسياسات الصندوق في برامجها، عملت طيلة فترة الإنقاذ وكأنها تناهض سياساتها الإقتصادية، وعندما حانت لحظات الحقيقة انحازت هذه القوى للسياسات التي تحقق مطامح و مصالح قياداتها.
إن خطورة الدعوة للوحدة مع هذه القوى ليس فقط لأن مصالحها الحقيقية تتناقض وأهداف الثورة كما بينا عاليه، وإنما يأتي من قدرة قيادات هذه القوى على التلون وتبني ما لا يخدم مصالحها عند الصعود الجماهيري، فقدرة هذه القوى على نقض عهودها ومواثيقها بل وحتى برامجها المعلنة، يعطي أي إتفاق معها صفة الغباء السياسي إن جاز التعبير، فمن أمِن لكاذبٍ مطلق، مخطئٌ ويستحق ما يجري له.
إن عظات التاريخ السوداني، وتاريخ ثوراته بالتحديد تعطينا الوعي اللازم لرفض أي وحدة مع من تتناقض مصالحهم مع التغيير الحقيقي المنشود، فمنذ ثورة اللواء الأبيض، كانت النخب السودانية التي تدعي الثورية ثم تخون وتسلم السلطة لأعداء الجماهير هو المعطى الثابت والمتكرر في كل ما عقبها. إن نظرة تاريخية بسيطة لتاريخ ثورتي أكتوبر وأبريل والقوى التي وقعت على ميثاقهما، إلتفت عليه في أول يوم بعد سقوط العسكر و أعطتِ القوى الثورية ظهرها و مضت لتكوين سلطة تنفذ سياسات نقيضة لما وقعت عليه، كان بالإمكان، لو قرأنا دروس هذا التاريخ القريب جيداً، أن نأمن عدم تكرارها في ثورة ديسمبر المجيدة، لكنا وللأسف أعدنا، كقوى ثورية، ما حدث في تلك الثورات بحذافيره، وذلك في الفترة الأولى لسقوط رأس نظام الإنقاذ، سلمنا قيادة الثورة للقوى المضادة للثورة، نعم نقولها بهذا الوضوح. القوى المضادة للثورة و النقيضة لأهدافها.
وفقاً للمدارسة التي أسلفناها، والمحاذير التي نوقشت حول الوحدة المطلقة، نعتقد أن الأساس لأي وحدة يجب أن يكون وفق فرز وتصنيف واضح للقوى ذات المصلحة في التغيير الثوري، القوى التي تتواءم مواقفها وقيادتها مع رغبة الأعضاء في إحداث التغيير الجذري والعميق، على مستوى الدولة والسلطة، وعلى مستوى السياسات والقوانين، كما على المستوى الدستوري، وفوق كل ذلك على مستوى الوعي السياسي، الوحدة التي تدعو لها لجان المقاومة والقوى الثورية الأخرى هي بداية العلاج والطريق الصحيح نحو تحقيق أهداف الثورة، أما صراخ الوحدة مع من تتناقض مصالحهم مع التغيير، ما هي إلا دعوة لإجهاض الثورة للمرة الأخيرة، وهي دعوة لوضع خنجر مسموم في ظهر الجماهير.
و
ﻛﻔﺎﻛﻲ ﻛﻔﺎﻛﻲ
ﺍﻃﻠﻌﻲ ﻣﻦ ﺩﻣﺎﻱ
ﺍﻣﺎﻣﻚ ﺍﻻﻃﻔﺎﻝ ﺭﺻﺎﺹ
ﻭﺍﻟﺠﻮﻉ ﻣﻨﺎﺹ
ﻛﻔﺎﻛﻲ
ﺍﻟﻤﺪﺧﻞ ﺍﻟﻔﺎﺿﻞ ﻭﺣﻴﺪ
ﺍﻟﻤﺪﺧﻞ ﺍﻟﺒﻔﻀﻞ ﺟﻮﺍﻱ
ﻣﺤﺠﻮﺯ ﻹﻓﻮﺍﺝ ﺍﻟﻤﻌﺰﻳﻦ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ
ﻗﺘﻠﻮﻭﻭﻙ ..قتلوك
ﻭﺟﺎيين ﻣأﺗﻤﻚ … ﻋﺮﺳﻚ
ﻣﺎ ﺍﻇﻦ ﻣﺎﺗﻤﻚ
ﻟﻢ ﺍﻓﻬﻢ ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﻋﻠﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ
ﻓﻘﻂ
ﺍﻋﺘﺮﻓﺖ ﺑﺎﻧﻲ ﻣﻤﻜﻦ ﺍﻓﻘﺪﻙ
ﻭﺑﻜﻞ ﺫﻭﻕ .. ﻓﺎﻗﺪﺧﻄﻮﻁ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ
ﻣﻀﻴﺖ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺍﻟﻤﻮﺷﺢ
ﺑﺎﻟﻬﺘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﻜﻀﺐ
أواصل