أي نبأ حملته إلينا يا (نهر يابوس) العظيم.
عادل شالوكا
نهر يابوس هو نهر دائم الجريان ينحدر من مرتفعات الهضبة الإثيوبية، منطقة (أسوسا) أقصى غرب أثيوبيا ويواصل مسيره غربا إلى داخل الأراضي السودانية ليشق إقليم الفونج الجديد وحتى منطقة (بونج) بمقاطعة المابان بجنوب السودن، وهو نهر صديق للسكان إذ يأتي بالخيرات (الأسماك) وعلى ضفتيه تزرع الجناين والمحاصيل البستانية، هذا بالإضافة إلى كونه مصدرا هاما لمياه الشرب للإنسان والحيوان.
برغم إنه نهر صديق ولكنه لا يخلو من عنفوان الجريان في فصل الخريف عندما تشتد الأمطار، فأحيانا يقرر إصطحاب بعض البشر معه في رحلته نحو الجنوب.
لقد كانت علاقة هذا النهر برفيقنا الدكتور/ أحمد زكريا إسماعيل جيدة حتى مساء الأحد 7 يوليو 2024 حيث كان يعبره من حين إلى آخر وهو في طريقه من مقر إقامته في (إشكاب) إلى مقر السلطة المدنية في (يابوس) مستخدما دراجته النارية ذات الأربعة أرجل (كوات بايك). في ذلك المساء قرر النهر إصطحاب صديقه معه في رحلة اللا عودة.
لقد أسس أحمد زكريا معهدا لتدريب الكوادر الطبية في (إشكاب)، فقد كان يريد توطين الخدمات والكوادر الصحية في إقليم الفونج الجديد ولذلك جعل رئاسته في (إشكاب). وليس (كاودا) حيث رئاسة السلطة المدنية للسودان الجديد، وهذا لم يفعله شخص آخر غيره في السلطة المدنية.
أحمد زكريا درس الطب في جامعة كردفان وكان أحد كوادر الحركة الشعبية (الجبهة الوطنية الأفريقية – ANF) الصلبة في الحركة الطلابية. فهو رجل متعدد المواهب، فقد كان كادرا تنظيما دقيقا، وكادرا خطابيا مفوها، ورسام وخطاط، بالإضافة إلى كل ذلك فقد كان متواضعا ومحبوبا لذا نال ثقة تحالف القوى الطلابية الوطنية التي قدمته ليفوز برئاسة إتحاد طلاب جامعة كردفان دورة (2005-2007) حينها إستطاعت الحركة الشعبية مع حلفائها إن تسيطر على (10) جامعات سودانية منها (5) جامعات كان منصب الرئيس فيها للحركة الشعبية، وكان أحمد زكريا أحدهم.
تدرب أحمد زكريا في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان في مركز الشهيد (قمر بورة) بالمنطقة الغربية – جبال النوبة وتخرج في دفعة (لواء الوحدة) وتدرج إلى وصل رتبة (الرائد). وفي إنتخابات 2011 بجنوب كردفان كان مستشارا لرئيس الحركة الشعبية – القائد/ عبد العزيز الحلو لشؤون التعبئة والحملات الإنتخابية، فهو الذي إكتسب فيها خبرة كبيرة (طالبا) في الجامعات السودانية. وكان قبلها سكرتيرا عاما لتجمع شباب الحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان/ جبال النوبة.
عندما إندلعت الحرب في 6 يونيو 2011 صمد أحمد زكريا مع رفاق آخرين في مدينة كادقلي مدافعين عن مواقع ومقرات الحركة الشعبية لأكثر من شهر. وفي خريف 2013 عندما ذهبنا في مأمورية إلى مناطق العباسية ورشاد، ذهب الطبيب نقيب (آنذاك) إلى منطقة (قلقات تيس) وإرتكز فيها حاملا مدفع رشاش (PKM)، فقد كان طبيبا مقاتلا حمل السلاح جنبا إلى جنب مع السماعة الطبية، وكان يحب إرتداء الملابس الطبية لتعلقه الشديد بمهنته، وأحيانا الزي العسكري حتى لا يبتعد عن الجيش.
بعد المؤتمر الإستثنائي في العام 2017 تم إنتخابه عضوا في مجلس التحرير القومي، وثم سكرتيرا للصحة بالسلطة المدنية للسودان الجديد في المستوى القومي.
قام بإعادة تاهيل مستشفى (الجغيبة) لتقديم الخدمات للمواطنين في المناطق البعيدة عن مستشفى الرحمة في (القديل) وقام بتدريب العديد من الكوادر الصحية في معهد (حكيمة) بجبال النوبة ومعهد (إشكاب) بالفونج الجديد.
لقد كان أحمد زكريا كتلة متحركة من النشاط، تجده مرة في كاودا ومرة في يابوس وأخرى في جوبا. يتحرك ليلا ونهارا في جميع الطرق والدروب لإنجاز مهامه الإدارية ومداواة المرضى.
لقد قرر شباب وطلاب الحركة الشعبية – شمال بدولة جنوب السودان – مؤخرا قبل أسابيع قليلة – تكريمه لما يقوم به من مجهودات آخرها كان إيصال كميات من الدواء إلى المناطق المحررة عبر علاقاته الواسعة. في ذلك اليوم تحدث كما لو كان يدري إن موعد فراقه للرفاق قد دنا، وإن هنالك موعد آخر في إنتظاره مع نهر يابوس.
برحيله فقدت الحركة الشعبية أحد عناصرها الصلبة في وقت مبكر وهي في أحوج ما تكون إليه.
فلترقد روحك في سلام رفيقي (أركماني).