أما أن الاوان للتقدم الجماعي؟ (2-8)

منذر مصطفي

 

الأشخاص الأقوياء يحتاجون إلى قادة أقوياء، هكذا تستنتج “Ella Baker” الناشطة في مجال الحقوق المدنية وتضيف إنهم يدركون القوة الكامنة داخل المجتمعات ويعملون على رعاية تلك القوة، وتمكين المجتمعات من تعبئة أنفسهم وتحمل ملكية نضالاتهم، ويعلم الجميع كيف نظم “Cesar Chavez” عمال المزارع في الولايات المتحدة للنضال من أجل ظروف عمل أفضل وأجور عادلة وكيف أدت قدرته على التواصل مع المجتمع وتعبئته إلى انتصارات كبيرة في حركة حقوق العمال “CIW”، كأنه نفذ وصية “Mahatma Gandhi” وكان هو التغيير الذي يرغب في رؤيته بالعالم، وتجنب بإحترافية فائقة إعتراض “Paulo Freire” حول القادة الذين لا يتصرفون بطريقة حوارية، ويصرون على فرض قراراتهم، وكيف أنهم لا ينظمون الناس – بل يتلاعبون بهم.

عالمياً تتفاعل القيادات الوسيطة، لاسيما السياسية منها مع المجتمعات المحلية من خلال الاستماع بنشاط إلى اهتماماتهم واحتياجاتهم وتطلعاتهم، وهم بمثابة جهات اتصال تسهل التواصل والتفاهم بين صناع القرار والمجتمعات المحلية، إنهم يقيمون علاقات مبنية على الثقة والتعاطف والاحترام، مما يضمن تمثيل أصوات ومصالح المجتمعات المحلية بشكل فعال والدفاع عنها، وهم يعملون بشكل تعاوني مع أفراد المجتمع، وتمكينهم من المشاركة في عمليات صنع القرار ودعم المبادرات التي تعزز رفاههم وتنميتهم، ومن خلال كونهم متاحين ومستجيبين وخاضعين للمساءلة، فإنهم يعززون الحوار الهادف والتعاون والشمولية في تفاعلاتهم مع المجتمعات المحلية، وهكذا يراهم ” Ronald Heifetz” ويتحدث بعمق حول مفهوم القيادة التكيفية، الذي يركز على تعبئة الأفراد والمنظمات لمواجهة التحديات المعقدة، بل يتفهم دورهم في تسهيل التغيير التكيفي والمشاركة مع أصحاب المصلحة.

في عام 2019، تكشفت ملحمة رائعة في السودان، اتسمت بالتصميم على الوصول لميدان القيادة العامة “مقر قيادة الجيش” والبقاء وتعزيز التركيز الإعلامي في مواجهة دولة الحزب الواحد المعروفة بانتهاك حقوق الإنسان، وأصبح مبدأ المبادرة قوة مرشدة لأولئك الذين تجرأوا على تحدي النظام القمعي، مما أدى إلى إحداث اختراق عميق أدى في النهاية إلى انهياره، لقد بدأت هناك رحلة أكبر جمعية عمومية للتحول الديمقراطي شهدها السودان على الإطلاق، وأصبح هذا التجمع المحوري بوتقة تنصهر فيها الخبرات والأفكار، وتصقل حكمة القيادات الوسيطة الذين خرجوا من رحم الشعب، وبتصميم لا يتزعزع، شرعوا في مهمة لإشعال حركة مدنية من شأنها أن تتغلغل عميقا في قلوب وعقول الشعب السوداني، فضلا عن الأفراد المحبين للسلام والباحثين عن الحرية في جميع أنحاء العالم، وكانت إنجازاتهم الأولية مجرد ثمار لا تكفى لاشباع نهمهم لدولة الحرية، السلام والعدالة، ومن خلال التزامهم الذي لا يتزعزع وجهودهم الدؤوبة، حطموا أغلال القمع وتسببوا في سقوط رأس النظام في نهاية المطاف، لقد كان انتصارا للمثابرة والشجاعة والروح التي لا تقهر لشعب متحد، طوال هذه الملحمة، أصبح الوصول إلى المعلومات سلاحاً للامل، ومن خلال تعزيز التركيز الإعلامي بشكل استراتيجي، نجح هؤلاء القادة أصحاب الرؤية في فضح انتهاكات النظام لحقوق الإنسان وحشد الدعم الدولي، لقد وقف العالم شاهدا على شجاعة الشعب السوداني وصموده، مما ألهم التضامن والإعجاب من جميع أنحاء العالم، ولم يكن هذا الاختراق العميق مجرد انتصار للسودان، بل كان بارقة أمل لجميع الشعوب المضطهدة التواقة إلى الحرية والعدالة.

وكانت تجربة “لجان المقاومة” على سبيل المثال، التي تم صقلها خلال رحلة ديسمبر 2019، بمثابة شهادة على قوة العمل الجماعي للقيادات الوسيطة والتأثير الذي لا يمحى لأولئك الذين يجرؤون على تحدي الوضع الراهن، لم يكن انهيار نظام دولة الحزب الواحد مجرد تحول سياسي؛ لقد كانت شهادة على قوة الروح الإنسانية ومرونة أمة يوحدها هدف مشترك، وفق هيكل تنظيمي معقول تشكل القيادات الوسيطة المعدة جيداً محوره، لا سيما في التعبئة الشعبية.

يتبع..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.