أحفاد ود شايق وأحفاد ود التعايشي: صراع أبناء الأنبياء الزائفين في أرض الأبارتايد
بقلم✍️🏽: عمار نجم الدين
قبل الولوج الى المقال لابد للقارئ ان يرى هذا التوزيع الغير عادل للسلطة في السودان في عام ١٩٨٦ م و هذا يوضح ( النمط ) لتوزيع السلطة حتى اليوم في الدولة السودانية من خلاله هو يمثل نموذجا للتوزيع غير العادل في خلال ٦٧ عاما منذ استقلال السودان و حتى اليوم و هو يوضح نسبة السكان مع نسبة احتكار السلطة من قبل مجموعة سكانية واحدة واحد تتفوق على مجموع السكانية مجتمعة
هذه النخبة، المعروفة باسم “النخبة النيلية”، لم تعتمد فقط على القوة السياسية لفرض هيمنتها، بل استثمرت في بناء روايات خيالية تربطها بالنسب النبوي. من خلال إدعاء الانتماء إلى بيت النبي محمد، منحوا أنفسهم لقب “الأشراف”، مستخدمين العروبة القرشية الهاشمية كجسر لدخول نادي السلطة السياسية والاجتماعية في البلاد. مع هذا اللقب، باتت هذه النخبة تتشبث بحكايات ملحمية تضفي عليها هالة من القداسة والتفوق.
تاريخيًا، عملت هذه النخبة على تأكيد سيطرتها الاجتماعية والسياسية عبر تأويل التاريخ بما يخدم مصالحها. فموسوعة “القبائل والأنساب” لعون الشريف قاسم، على سبيل المثال، تبرز مدى السعي المحموم لربط كل نخبة سودانية بهذا النسب “المقدس”. هذه الروايات الملفقة كانت جزءًا من استراتيجية محكمة لاحتكار السلطة واستدامة النفوذ لعقود، عبر تعزيز الانقسامات الاجتماعية وتأطيرها ضمن سياق سياسي يجعل النخبة النيلية في مركز القوة.
لكن أساطير النسب لم تكن السلاح الوحيد في أيدي هذه النخبة. فتاريخهم العسكري، بدءًا من دورهم في قوات الباشبوزق ( اول جنجويد في تاريخ السودان الحديث ) خلال الحقبة التركية، كان أيضًا جزءًا أساسيًا من ترسيخ هيمنتهم. وكما يشير المؤرخ محمد سعيد القدال في “تاريخ السودان الحديث”، كانت الباشبوزق تمثل النواة الأولى للجيش السوداني، وهي قوة استغلت في غايات النهب والاستغلال. ورغم أن هذه القوة تحولت مع الزمن، إلا أن العقيدة الأساسية التي تبناها الجيش، والتي تقوم على مبدأ “اغتنم كل ما تستطيع”، ظلت حاضرة في مشهد التفاوت الاجتماعي والسياسي في السودان حتى يومنا هذا.
من أجل تعزيز قبضتها على البلاد، لجأت النخبة النيلية إلى توظيف تصنيفات اجتماعية قاسية، مستعيدةً تسميات قديمة مثل “السادة” و”العبيد” في سياق سياسي جديد. تم تصنيف أبناء المناطق الغربية بـ”المرتزقة” أو “التشاديين”، فيما صُنّف سكان النيل الأزرق وجبال النوبة كمواطنين من الدرجة الأدنى. هذه التصنيفات ليست مجرد شعارات عابرة، بل أدوات فعالة لإدامة استبعاد هؤلاء من دائرة القوة السياسية، وتجذير التفاوتات العرقية والاجتماعية.
في الوقت الذي تقدم فيه النخبة النيلية نفسها على أنها سليلة بني هاشم العربية النقية، يكشف التاريخ والجينات عن حقيقة مغايرة؛ إنها نخبة أفريقية استعربت بمرور الزمن بهجرات من غرب أفريقيا و اختلاط بالنوبة في شمال السودان . لكن هذه الحقائق تُطمس في ظل روايات قديمة وحديثة تهدف إلى تكريس الشرعية السياسية والاجتماعية تفتقد الى الشواهد المادية و الثقافية التي تدعم رواياتهم في انتمائهم العربي .
غير أن المفارقة الحقيقية تكمن في أن بعض أبناء الهامش، من أقصى شمال السودان الى أقصى جنوب السودان الجديد ممن اختاروا الانصياع لمغريات المركز، ساهموا بدورهم في إدامة هذه الهيمنة. هؤلاء، مقابل فتات الموائد السياسية، ارتضوا أن يكونوا “عبيد المنازل” كما ورد في الأدب الأمريكي الأسود ، متخلين عن قضايا شعوبهم في سبيل تحقيق مصالحهم الشخصية. حتى كبار منظري “السودان الجديد”، الذين كانوا يومًا ما في طليعة نضال الهامش، انتهى بهم الأمر كأدوات في يد النظام المركزي، داعمين للمركز بدلاً من معارضيه اصبحوا بيادق في يد القوى المركزية لقمع اهلهم و ثورانهم داعمين للمركز الاسلاموعروبي
ما يحدث اليوم في السودان لا يمكن اختزاله في إطار صراع سياسي تقليدي؛ بل هو صراع بين الروايات الملفقة والحقيقة المؤلمة صراع الايدلوجيا الزائفة .
ومع ذلك، قد يكون ما نشهده اليوم مجرد بداية لفصل جديد من هذا الصراع الأبدي، حيث تتكشف الحقائق وتتصادم المصالح، لتعيد تشكيل ملامح المشهد السوداني مرة أخرى.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.