أحزاب التوالي: التنقيب العشوائي عن المواقف

✍️ منذر مصطفى ، باحث بمركز السياسات العامة- السودان

 

 3 أغسطس 2024 .

فضحت حرب 15 أبريل 2023 ، المنظومة الحزبية بالسودان شكلاً ومضموناً، حيث جمدت معظم الأحزاب والحركات السياسية أنشطتها بصورة مثيرة للإستغراب، بإستثناء بعض الوجوه الإعلامية للعب دور (رخيص) على عكس المنوط بها في بنية الدولة: وهي المحافظة على تماسك بنيتها ومنع النسيج الإجتماعي من التحلل.

في الوقت الذي يستغرب ويستنكر فيه طيف واسع من عضوية الأحزاب المجمدة، تصرفات الجيش بالإنسحاب دون قتال من (ودمدني) وغيرها من المناطق المأهولة بالسكان، فعلت المنظومة الحزبية ذلك بصورة أشد بشاعة، حيث إنسحبت من العمل الميداني والتنظيمي فاتحة الباب لصراع (المفاصلة) ليشكل ملامح مستقبل السودان.

 

وهذا التصرف يتسق تماماً مع البنية الحزبية الهشة وغياب الرؤية بمعظمها، وإعتمادها على التنقيب العشوائي (الحفر) في بناء مواقفها والدعوة لها، حتى في أشد الظروف قتامة في وجهة السودانيين.

 

شكل مبدأ العمل (ردة الفعل المتماهية) سمة لمعظم التحالفات التى قادتها المجموعات الحزبية  بالسودان، وهنا أذكر بالموقف من المجلس العسكري 2019، والموقف من إنقلاب 2021، والأن الموقف من أمراء حرب 2023، حيث تتفق جميعها على التماهي مع الكتلة العسكرية، ويا للعجب حيث مؤسسات الدولة تمارس العمل السياسي دون حياء، وبمباركة المنظومة الخالفة.

 

لم تكن هذه الإنتهازية – البراغماتية – سمة معزولة من تاريخ الحياة الحزبية السودانية، طالما أطلع المثقف الحزبي بدور (السمسار) لتكتلات غير مرئية مدعومة من تنظيمات إرهابية محلياً وعلى المستوى الدولي، لـ تصفية أحلام السودانيين وأشواقهم في الإستقرار المبني على نظام ديمقراطي غير زائف.

 

أن التحالفات المنسوجة ليلاً وغير المعلنة بين مجموعات حزبية والمؤتمر الشعبي وزراعه العسكري (الدعم السريع) والأخرى بينها وبين المؤتمر الوطني واختطافه لـ (القوات المسلحة) كذراع مسلح، يشكل مؤامرة لا يمكن التسامح معها بأي حال من الأحوال.

 

هذا التخبط بالتحالفات نتج كثمرة طبيعية لأسلوب العمل المتبع في معظم التنظيمات الحزبية، والتي تم إنشاء بعضها خصيصاً لأداء هذا الدور المسرحي المبتزل، إن نهج إرتجال المواقف، بما في ذلك الرؤية والتكتيكات، جعل هذه التنظيمات عاجزة حتى عن المحافظة على تماسكها الداخلي.

 

هذه الحرب بجبروتها إن لم تدفع هذه المنظومة الحزبية للتحرك في إتجاه صيانة أنظمتها الداخلية، وتطوير نماذج جادة لصناعة المواقف، فلن يكون لها مستقبل في سودان الحرية، فمن لم يقف مع الشعب السوداني في محنته لن ينال إمتياز قيادته بعد زوال المحنة.

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.