أحداث الجنينة الدامية: موقف ورؤية

أحمد حسين ادم

 

و نحن في رحابة العشرة الأواخر من شهر رمضان المعظيم، وعلي أبواب عيد الفطر المبارك، تدمي وتحزن قلوبنا من جديد من أجل أهلنا الكرام في دار أندوكة (الجنينة) العزيزة و تحديدا في محلية كرينك، حيث ظل سكانها منذ يوم الجمعة 22 أبريل الجاري يعانون من موجة من العنف والإعتداءات الدامية، فقدوا على إثرها عشرات الضحايا من النساء و الأطفال، نسأل الله لهم الرحمة و المغفرة، الصبر و حسن للأهل و الأسر المكلومة الصابرة.

أولا: الموقف:

1- أدين هذه الإعتداءات الدامية علي العزل من النساء والأطفال والمدنيين كافة، فهي أحداث لا بد أن يدينها ويقف ضدها كل وطني وصاحب ضمير إنساني حي.

2- الحكومة ومؤسساتها الأمنية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذه الأحداث الدامية، إذ أن مهمة ومسؤولية حماية المدنيين و المواطنين تقع مباشرة على عاتق الحكومة مهما كان نوعها أو خلفيتها أو مرجعيتها. فهى ان فشلت في هذه المهمة الأولية الواجبة ستنتقل المسؤولية إلى المجتمع الدولي مباشرة وفقا لمبدأ المسؤولية في الحماية Responsibility to Protect(R2P)، لذلك علي الحكومة القيام بواجبها ومسؤوليتها القانونية الواجبة فورا من غير مماطلة أو تواطؤ أو عجز.

3- أحداث الجنينة كشفت الغطاء عن جذور الأزمة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والأمنية البنيوية في دارفور، و التي لم يعالجها إتفاق جوبا للسلام. فهنالك إختلال سياسي، وأمني، واجتماعي، و اقتصادي عميق صنعته تكتيكات الحرب القذرة منذ عهد النظام البائد.

4- أحداث الجنينة الدامية تمثل تمظهرا وعرضا داميا للأزمة السياسية في السودان حيث تنكب البلد طريق الإنتقال المدني والديمقراطي السلس.

5- الأحداث تفرض من جديد إستحقاقا لمدنية الحكم، وقضية توحيد وإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية في الصدارة من جديد. فالإصلاح المؤسسي دورا، و وظيفة، وعقيدة، و تنوعا، و شمولا في التكوين و البناء أمر دونه خرط القتاد، ولا بد أن يتم و ينجز بأجهزة مدنية مؤهلة و مهنية مجمع عليها.

6- كشفت الأحداث هشاشة إتفاق سلام جوبا الذي أصبح إتفاقا فوقيا وإنحصرت منافعه و مكاسبه علي حفنة من القيادات وشرائح محدودة من الأفخاذ و الأفراد والبيوتات المنعزلة عن حواضنها الإثنية. إذ لا يمكن علي ضوء ما نرى من حيثيات وحقائق أن نجزم بأن الذين يتصدرون مواقع السلطة بإسم دارفور أنهم يمثلون قبائلهم أو حتى أفخاذ منها!

من المحزن حقا أن لا يقدم إتفاق جوبا أي منفعة أو مكسب للضحايا من النازحين واللاجئين الذين وقع و مهر بإسهم، حيث لم يقدم لهم أمنا، أو سلاما، أوخدمة، أو عودة عزيزة كريمة إلى أرضهم.

7- من المؤسف والمحزن حقا أن لا تتصدى القيادات التي تستحوذ علي مواقع السلطة بإسم دارفور لهذه الأزمة الدامية. كنت أتوقع من هذه القيادات أن تجتمع في أرض الحدث في دارفور ولا ترجع إلى الخرطوم إلا بعد حل وإنهاء الأزمة والأحداث. كما كنت أتوقع منهم موقفا صلبا ورؤية موحدة ومتماسكة لحل الأزمة.

هنا، أشيد بالتصريحات التي أدلي بها الأخ مني أركو مناوي حول الأحداث، لكنه كحاكم للإقليم مطلوب منه أكثر من إنتقاد الأجهزة الأمنية، نعم مطلوب منه موقف أكثر صلابة، ورؤية أكثر وضوحا فيما يتعلق بالمخرج والحل المستدام لأزمة الإقليم.

مقترح رؤية للتعامل مع الأزمة:

1- يجب إيقاف الإعتداءات و الإشتباكات فورا، وتأمين حماية المدنيين دونما مماطلة أو تسويف. كما يجب التحقيق العادل و الشفاف، ومحاسبة المتورطين في هذه الأحداث.

2 – أناشد الأهل جميعا في غرب دارفور وكل من له صلة بهذه الأحداث بمختلف إثنياتهم و خلفياتهم تحكيم صوت العقل بإيقاف الإقتتال وكل ما يؤجج نار الفتنة و النزاع.

3- التضافر والوحدة الثورية من أجل حل الأزمة السياسية الوطنية الجاثمة علي صدر الوطن ووضع السودان في سكة الإنتقال الديمقراطي والحكم المدني الحقيقي.

4- علي الذين وقعوا السلام بإسم دارفور أن يذهبوا فورا إلى دارفور للتواجد مع الأهل والعمل علي إيقاف الإعتداءات والإشتباكات بين المواطنين، و ألا يغادروا حتي التمكن من إيقاف الإعتداءات و النزاع، فإنه من العار أن يظلوا مع أسرهم بينما الجنينة تغرق في العنف والدماء والفتنة.

5 – البدء في حملة وطنية شاملة تهدف إلى تحقيق الآتي:

– جمع وإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية للمتضررين.

– إبتدار توعية شاملة و فعالة ضد العنصرية والقبائلية المقيتة تمهد الطريق للتصالح ورتق النسيج الإجتماعي بين مكونات المجتمع في غرب دارفور وما وراءها.

6- معالجة الخلل البنيوى في سلام جوبا بحيث يكون إتفاقا شاملا يعالج جذور الأزمة ويخرج من حالة الشرنقة الموغلة في الفوقية والقبائلية والفصائلية والأسرية والفردية.

7 – على المجتمع الدولي ممثلا في دول الترويكا وأصدقاء السودان و الإتحاد الافريقي الاضطلاع بمسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه الضحايا و المدنيين.

لا شك، إن أحداث الجنينة تمظهر لنا هشاشة البنية الحكومية للدولة، و وصولها إلى مستوى العجز التام عن توفير أبسط متطلبات المواطن، وهو الأمن، ناهيك عن حلم الرفاه الإقتصادي والوئام الإجتماعي داخل القطر، وهذا الفشل نرى مظاهره في كثير من بقاع السودان. ولعل هذا ناتج عن الخيبة التاريخية للنخبة الوطنية بإتجاهاتها كافة في إدارة أمر الدولة بناءا على أعمدة الحكم الرشيد. ونخشى أن يتمدد العنف وإراقة الدماء الذي شهدناها في الجنينة، وبعض مناطق دارفور إلى أجزاء أخرى من البلاد.

قصارى القول، ما جرى من أحداث في الجنينة هو أعراض لفشل الدولة التي زرعت عبر السياسة العنف في العاصمة والولايات، ولا حل لأزمتنا الأمنية إلا بالعودة إلى كامل الحكم المدني ليمهد الطريق نحو حلول أشمل لكل أزماتنا، ولعل الأحداث الأمنية الدامية التي شهدتها مناطق النزاع ماضيا و حاضرا في جوهر هذه الأزمات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.