
آلية “المصالحات” عبر التاريخ، لحل جذور الأزمة. نموذج “مؤتمر السودان التأسيسي”
مقبول الأمين (كوكامي)
“لإنسان يرفض العالم كما هو دون ان يرض بالتخلي عنه”. ألبير كامو:
في الحقيقة بنية الدولة، تحتاج إلى إستراتيجيات ومصالحات ووحدة، وخلق علاقات تعاون إقليمي ودولي لتحيق السلام والتنمية المستدامة.
نموذج التجربة الروانديـــة.
تعد تجربة فريدة في المصالحات وإدارة الصراع بين مكوناتها المختلفة، لحل جذور الأزمة، التجربة الرواندية واحدة من التجارب الإنسانية العالمية التي تستحق الدراسة، إذ لعب المستعمر دورآ سالبآ في تفكيك المجتمع الرواندي، وذلك ببث الكراهية وإنتهاج سياسة التفرقة والانقسام، وممارسة الإضطهاد وإنتهاك حقوق الانسان. بجانب استقطاب النخـــب الرواندية بين مجموعتي (الهوتو و التوتسي)، لخدمة أهداف المستعمر، مما أحدث شرخآ كبيرآ، أدى في نهاية الأمر إلى تلك المجازر والتطهير العرقي في (1994) وإنهيار كامل، لأبنية الدولة والمجتمع، وخلف عددآ هائلآ من الأيتام والأرامل والمعاقين بجانب النزوح الداخلي واللجوء إلى الدول المجاورة.
هذا الإنهيار المريع وضع القيادة الرواندية أمام تحدي كبير بعد (1994) للم الشتات ورتق النسيج الإجتماعي المتهتك، بجانب توحيد الشعب الرواندي وإجراء المصالحات بين مجتمعاته المختلفة، وبناء الدولة وإصلاح الأوضاع الإقتصادية والنظام السياسي السيئ الموروث من المستعمر بمساعدة النخب القيادية التي ساهمت بقدر كبير في إنهيار الدولة وانقسام المجتمع إلى طوائف عرقية ودينية.
إستطاعت القيادة الرواندية توحيد المجتمع الرواندي وغرس روح التسـامح والتصالح فيه، كما تمكنت من قيادته موحدآ نحو السلام والتنمية والإزدهار من خلال رؤية إستراتيجية مداها 2020، شاركت فيه معظم النخب الرواندية المثقفة سواء كانت داخل رواندا أو خارجها، هكذا إنطلقت رواندا بشعب موحد متصالح نحو آفاق تنموية رحبة، قادته إلى النهضة الحالية التي جعلت رواندا واحدة من أكثر دول العالم تقدمآ في النمو الإقتصادي والأمان وإصلاح بيئة الأعمال.
نموذج تجربة جنوب إفريقيا:
فيما يتعلق بالمصالحات وإدارة الصراع بين المكونات المختلفة لحل جذور الأزمة، يعتبر النزاع في جنوب إفريقيا ورواندا من أعقد النزاعات التي عرفها العالم، وذلك بحكم الأسباب المؤدية إليه والنتائج المترتبة عنه، فقد بدأ النزاع بالنسبة لكل من جنوب إفريقيا ورواندا منذ التواجد الإستعماري وإشتد في فترة التسعينيات. فكما نعلم كلنا فإن الحرب الأهلية التي شهدتها كل من جنوب إفريقيا ورواندا حدثت نتيجة الحرمان والتهميش، وغياب العدالة والمساواة داخلهما، والتي راح ضحيتها عدد كبير من القتلى صنفت كأعمال إبادة عرقية، ما جعل مختلف الجهات المعنية بحل النزاعات تحاول التحكم ووضع حد للنزاع لتجاوز الحالات غير الإنسانية التي تسبب فيها الاستخدام المفرط للسـلاح وكذلك الخلفية والتعبئة الإثنية التي غذت النزاع وزادت من تصعيده. ولذلك ومن أجـل القضاء على هـذه الحرب الأهلية ومعاقبة مرتكبي جرائم التمييز العنصري والإبادة الـجماعية، لجأت حكومة جنوب إفريقيا وكذلك الحكومة الوطنية الرواندية الـجديدة وبدعم خارجي إلى الاعتماد على عملية المصالــحة الوطنية التي تجـسدت من خلالها عمـلية تحويل النزاع داخل كلا البلدين والتي هدفت إلى القضاء على النزاع بشكل نهائي، من خلال تحـــويل علاقات الأطراف المتنازعة من علاقة عدائية إلى علاقة تعاونية، مما يضمن لهم الاستقرار والسلام الإيجابي الدائم وضمان عدم عودة النزاع وتجدده مرة أخرى.
من خلال النموذجين التاريخيتين أعلاه الرواندية من ثم تجربة جنوب أفريقيا يتضح جليآ ما نريد أن نخوضه من عصف ذهني وتسليط الضوء على واقنعا السوداني، المتأزم منذ ما يسمى بالاستقلال وطيلة فترات الحكومات المتعاقبة، وإشعالها للحروب العبثية في الدولة السودانية حتى افتقدنا جزء أساسي من المجسم السوداني المعروف دوليآ وإقليميآ مسبقآ (بجنوب السودان في العام 2011) ومرورآ عبر التاريخ للولوج لما يسمى بمؤتمر السودان التاسيسي الذي عقد بقاعة جومو كنياتا بنيروبي موخرآ، كخطوة تصحيحية، نحو تصحيح المسار وترتيب البيت الداخلي الذي لم يتأسس على المبادئ التي تقوم على اساس المواطنة المتساوية والعدالة والمحاسبة التاريخية والحرية، أجزم واقول بأنها اتت متاخرآ من بنية افكار بنات وابنا الشعب السوداني الوفي، خيرآ من لا تاتي ……و تفقدنا أجزء من الوطن العزيز، مرة تلي الأخرى. ولكن قبل الخوض في نموذج الدولـــة السودانية المأزومة منذ تأسيسها، علينا جميعآ كرفاق وأصحاب راي عام في الدولة السودانية بالجواب على السؤالين ادناه للوقوف مع المواقف الإستراتيجية والتنظيمية التاريخية بالصورة الصحيحة، ونبتعد عن التشويش ونقبل بروح المصالحة الوطنية كآلية فاعلة في نظم المجتمعات الحديثة ونحقق المشروع بإحدى آلياتها المشروعة (التفاوض) لخلق سودان جديد علماني ديمقراطي يسع الجميع:
السؤال الجوهري :
اولآ : لماذا تم الإتفاق والتفاهم التأسيسي بين الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال و(قوات الدعم السريع) ولم تكون مع الحكومة العسكرية في بورتسودان؟
ثانيآ : لماذا قبلت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، التفاهم التأسيسي في ظل وجود حزب الأمة ضمن المكونات الموقعة لمؤتمر السودان التأسيسي، مع العلم تاريخ حزب الأمة، تأكد بلا شك بأنها (أم الكوارث) في الدولة السودانية؟
حسنآ، في البدء نبارك للشعب السوداني والرفاق الأماجد من عضوية التنظيم على الميثاق التأسيسي الذي لبى تطلعت دعاء مشروع السودان الجديد الذي يسع الجميع، وأعتقد إن ما قاد الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال للتوقيع على ميثاق مؤتمر السودان التاسيسي مع (قوات الدعم السريع) والمكونات المختلفة الموقعة على الميثاق هو:
اولآ: حرص الحركة الشعبية – شمال على وحدة الدولة السودانية ومكونات الشعب السوداني والحفاظ على الوحدة الطوعية الجاذبة لكل شعوب السودان.
ثانيآ: قطع الطريق لكل تجزئة على مستوى القطر السوداني في المستقبل، كما يتطلع لها بعض مروجي دولة النهر والبحر،
ثالثا، تعنت الحكومة العسكرية في بورتسودان (حكومة الامر الواقع) ورفضها لأي تسوية سودانية شاملة تتبنى مبدأ العلمانية وفصل الدين عن الدولة، المواطنة المتساوية على اساس الحقوق والواجبات، العدالة والمحاسبة التاريخية والحرية لضمان وحدة السودان على أسس جديدة.
ثم نجيب أيضآ، فيما يتعلق بقبول الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال للتفهم والتسوية التأسيسية السودانية في ظل وجود حزب الأمة ضمن المكونات الموقعة للمؤتمر التأسيسي، وكما وصفتها مسبقآ، بأنه (أم الكوارث) في الدولة السودانية، أعتبر هذا صك غفران و رضاء عن ما قام بها الحزب منذ تأسيس الدولة السودانية وقبوله اليوم برئاسة الحبيب فضل لله برمة، بمبدأ علمانية الدولة والمواطنة المتساوية على أساس الحقوق والواجبات وتقبل مسألة العدالة والمحاسبة التاريخية كخطوة مهمة، كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان تتطلع لهذا الموقف منذ ايام التجمع الوطني الديمقراطي آنذاك برائسة الحبيب الراحل الصادق المهدي، لضمان تحقيق مشروع السودان الجديد الذي يسع الجميع وقطع الطريق لدوعاة السودان القديم.
في الختام نطمئن الرفاق والأصدقاء وجماهير شعبنا المناضل ونبارك لهم ميثاق السودان التأسيسي كآلية مصالحة وطنية تم تبنيه من بنات وأبناء الشعب السوداني الوفي، وناكد لهم بأن الحركة الشعبية – شمال لم و لن تتنازل عن مشروعها ومواقفها، ومع ذلك لن تتبنى مواقف جديدة، بل ساعية للم شمل كل السودانيين للمضي قدمآ نحو تحقيق السودان الجديد الذي يسع الجميع.
نوبخ ثم نحزر الرفاق و الأصدقاء الأماجد، للإبتعاد عن كل أنواع المواقف والتشويش التي تجري على وسائط التواصل الاجتماعي ، وما تقوم بها قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال هو نتاج طبيعي لما التزمت به أمام جماهيرها وتنفيذآ للوثائق المهمة التي أقرتها التنظيم من المنفستو والدستور .. إلخ.
-عاشت نضالات المهمشين في كافة أرجاء الدولة السودانية…
-ألف مبروووك لجماهير شعبنا المناضل ..
-المجد والخلود لشهداء ثورة التحرير ..
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.